مع تعاظم خطر المواجهة بين البلدين.. الجيش التركي يتفوق على اليوناني بالترتيب والسلاح براً وبحراً وجواً
أطلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، السبت، تهديدات غير مسبوقة تجاه اليونان، معلناً استعداد بلاده للقتال و”تقديم الشهداء” ومواجهة أي قوة تحاول “سرقة حقوق تركيا أو محاصرتها”، في تصريحات تظهر مستوى التوتر الذي وصلت إليه الأوضاع شرق البحر المتوسط ووجود خطر حقيقي لحصول مواجهة عسكرية في المنطقة.
وقال أردوغان في كلمة خلال افتتاحه مدينة طبية في إسطنبول: “سيدركون أن تركيا تملك القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية لتمزيق الخرائط والوثائق المجحفة التي تُفرض عليها”، في إشارة الى المناطق المتنازع عليها بين تركيا واليونان، مشدداً “إما أن يفهموا بلغة السياسة والدبلوماسية، وإما بالتجارب المريرة التي سيعيشونها في الميدان”، وأضاف: “تركيا وشعبها مستعدان لأي سيناريو والنتائج المترتبة عليه”.
تأتي هذه التصريحات مع بدء تركيا، الأحد، مناورات عسكرية واسعة مع قبرص التركية، وسط تحشيد عسكري غير مسبوقة من قبل تركيا واليونان وشقي جزيرة قبرص المنقسمة وقوى وأطراف دولية مختلفة منها فرنسا والإمارات ومصر والولايات المتحدة الأمريكية وأنباء عن تواجد روسي قريب في المنطقة، ما يجعل من سيناريو المواجهة العسكرية أخطر مع احتمال امتدادها لأطراف دولية أخرى.
وعلى الرغم من تفوق الجيش التركي الكبير على الجيش اليوناني من حيث عدد القوات والقدرات العسكرية الشاملة للقوات البحرية والجوية والبرية، إلا أن “التحالفات الدولية” تبقى كلمة السر في أي مواجهة خطيرة قد تقع بين البلدين، حيث يتوقع أن يلجأ كل بلد إلى تحشيد الدعم الدولي لصالحه وهو قد يتم ترجمته على شكل دعم اصطفاف مباشر وكامل لصالح أحد الأطراف، أو دعم عسكري غير مباشر.
تركيا تتفوق براً وبحراً وجواً
من حيث عدد السكان، يبلغ عدد سكان تركيا قرابة 83 مليون نسمة بحسب آخر إحصاء رسمي، في حين يبغ عدد سكان اليونان قرابة 11 مليونا فقط، ما يعني أن تركيا تمتلك قوة بشرية تضاهي أكثر من 7 أضعاف اليونان، لكن ذلك لا ينعكس على عدد القوات العسكرية المتقاربة، حيث تمتلك اليونان قوات احتياط أكثر من تركيا التي تمتلك قوات نظامية أكبر. ويبلغ عدد القوات النظامية التركية 355 ألفاً بينما اليونان تمتلك 200 ألف، في حين تمتلك تركيا 380 ألفاً من قوات الاحتياط، بينما تمتلك اليونان 550 ألفاً.
وفي التصنيف الدولي للجيوش عالمياً، يحتل الجيش التركي المرتبة 11 واليوناني المرتبة 33 بحسب تصنيف “غلوبال فاير بور”، وفي ترتيب حلف شمال الأطلسي الناتو تحتل تركيا المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة، في حين تحتل اليونان المرتبة التاسعة. وهو ما يؤشر إلى تفوق شامل للقوات التركية على اليونانية في كافة التصنيفات المعتمدة عالمياً. كما تبلغ الميزانية العسكرية التركية السنوية 19 مليار دولار مقابل 4.8 مليار فقط لليونان.
أما بالفروق التفصيلية، تمتلك تركيا ما مجمله 1055 طائرة بينهما 206 مقاتلة حربية، و497 مروحية منها 100 مروحية مقاتلة بالإضافة إلى السرب الجديد من المروحيات التركية “أتاك” والطائرات المسيرة التي أحدثت نقلة نوعية في القدرات الجوية التركية، أما اليونان فتمتلك ما مجمله 566 طائرة منها 187 مقاتلة و231 مروحية.
براً، تمتلك تركيا ما مجمله 2622 دبابة، و8777 مركبة عسكرية مدرعة، وقرابة 1700 مدفعية ذاتية وبشرية الدفع، في المقابل تمتلك اليونان 1355 دبابة وقرابة 4000 مركبة مدرعة وقرابة 2500 مدفعية.
وبحراً، تتضمن الترسانة البحرية التركية 16 فرقاطة و12 غواصة و35 قاربا لحرس الحدود و11 وحدة متخصصة بحروب الألغام البحرية ومجموعة من السفن الكبرى من الصناعات الوطنية قيد الدخول للخدمة إلى جانب أول حاملة طائرات وطنية لم تدخل الخدمة بعد، بينما تمتلك اليونان 13 فرقاطة و11 غواصة و35 قاربا لحرس الحدود و4 وحدات متخصصة بحروب الألغام البحرية. كما تتفوق تركيا في عدد المطارات والموانئ العسكرية
الخبرة والمنظومات الدفاعية
لكن ومع وجود الكثير من العوامل المتداخلة في قياس قدرات الدول العسكرية بعيداً عن الأرقام المباشرة لعدد الدبابات أو الطائرات أو القوات المسلحة، تبرز هنا عوامل مهمة أبرزها القدرات الاقتصادية والمنظومات الدفاعية والخبرات القتالية إلى جانب العقيدة والتحشيد للقوات.
تعاني تركيا في العقود الأخيرة من معضلة افتقارها إلى منظومة دفاعية متقدمة تحمي أجواءها ومواقعها الاستراتيجية، وعلى الرغم من تطويرها الكثير من المنظومات الدفاعية المحلية، إلا أنها لا تسد حاجتها لمنظومة بقدرات أكبر، الأمر الذي دفعها لشراء منظومة “إس 400” الروسية المتطورة والتي في حال تفعيلها ستكون إضافة مهمة أمام اليونان التي تمتلك فعلياً منظومة باتريوت الأمريكية إلى جانب منظومة “إس 300” الروسية التي لا يعرف على وجه التحديد ما إن كانت في الخدمة أم لا.
وفي معيار آخر، لا يمكن قياس الخبرة والعقيدة القتالية للجيش اليوناني بتلك الخبرة والعقيدة التي يمتلكها الجيش التركي الذي خاض في السنوات الأخيرة سلسلة من العمليات العسكرية في سوريا والعراق وليبيا، عكس الجيش اليوناني الذي لم يخض في العقود الأخيرة أي معركة، كما يعتبر الجيش التركي من أكثر جيوش العالم تشرباً للعقيدة القتالية انطلاقاً من النزعة القومية التي تبرز في أوج صورها إذا تعلق الأمر باليونان المحتل القديم لجزء من الأراضي التركية.
وعلى الرغم من أن الاقتصاد يعتبر من أبرز نقاط الضعف لدى الجانب التركي، حيث تعاني تركيا في السنوات الأخيرة من صعوبات اقتصادية وتراجع في معدلات النمو واحتياطات البنك المركزي وانخفاض كبير في قيمة العملية، إلا أن الأمر متعلق في هذه الحالة باليونان التي تعيش أوضاعاً اقتصادية أصعب من تركيا ولجأت طوال السنوات الماضية للبنك الدولي والاتحاد الأوروبي لمساعدتها في تدبير أمورها الاقتصادية.
التحالفات الدولية
وفي هذا الإطار، تظهر هنا بوضوح أهمية وتأثير التحالفات الدولية في أي مواجهة عسكرية قد تقع بين البلدين، حيث تتفوق تركيا على اليونان عسكرياً بشكل واضح براً وجواً وبحراً وفي الميزانية وعدد السكان وعدد القوات وغيرها، إلا أن التحالفات الدولية لا تؤشر إلى أن الأمور يمكن أن تكون لصالح تركيا بشكل واضح خاصة وأن الكثير من الدول تعلن وقوفها إلى جانب اليونان بشكل واضح.
فالاتحاد الأوروبي يميل بشكل واضح إلى دعم اليونان وسيكون جاهزاً لتقديم الدعم الاقتصادي بشكل جماعي وربما الدعم العسكري غير المباشر بشكل جزئي، ويبقى الأهم هنا وجود بعض الدول المستعدة للوقوف إلى جانب اليونان عسكرياً وبشكل مباشر وأبرزها فرنسا التي تتصدر المشهد حالياً، وتبقى قوة عسكرية كبيرة لا سمكن الاستهانة بها، رغم تحذير أردوغان لليونان أكثر من مرة أن “الدول التي تحرضها لن تجدها إلى جانبها في حال وقوع مواجهة عسكرية حقيقية”، وهو رهان غير محسوم ويبقى رهينة للتطورات على الأرض التي لا يرغب أحد من الأطراف في انزلاقها لمواجهة عسكرية إلا أن التحشيد والمناورات المستخدمة حالياً لتشكيل ضغط سياسي ربما تنزلق في أي لحظة لتتحول إلى مواجهة عسكرية لا أحد يعرف حدودها او نتائجها.