فايننشال تايمز: الاقتصاد هو التحدي الأكبر للسودان بعد الثورة.. وواشنطن تربط المساعدات بالتطبيع
أصبحت المعركة بعد الثورة في السودان هي الأهم من أجل السيطرة على الاقتصاد. وتقول صحيفة “فايننشال تايمز” في تقرير لها، إن لجين علي كانت تأمل بمستقبل أفضل بعد الإطاحة بنظام عمر حسن البشير، ولكن ليس لديها اليوم سوى كلمة واحدة لتصف اقتصاد السودان: “الكارثة”.
وقالت: “عشنا 30 عاما من الاضطهاد ونريد الآن تغيرا إيجابيا ونحمل بعض الآمال بقيام الحكومة الانتقالية بعمل شيء”. و”أشعر بالغضب.. هناك قائمة من الأمور ولم تنجز الحكومة واحدا منها”.
وأطيح بالبشير العام الماضي في ثورة اندلعت بسبب زيادة أسعار الطعام والوقود. وحاولت الحكومة الانتقالية السيطرة على الاستقرار بعد سنوات من الفساد والعقوبات، ومع ذلك من المتوقع تراجع الاقتصاد هذا العام بنسبة 7.2%.
وأدى انتشار فيروس كورونا بالإضافة إلى نقص العملة الصعبة إلى خلق سلسلة من المشاكل التي تفاقمت أكثر بفيضان النيلين الأبيض والأزرق، والذي كان الأسوأ الذي تشهده البلاد منذ عقود.
وأضافت المصاعب الاقتصادية ضغوطا على الحكومة المشتركة المدنية- العسكرية التي يقودها عبد الله حمدوك من أجل التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لشطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وسافر الأسبوع الماضي الجنرال عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس السيادي إلى الإمارات العربية المتحدة وعقد محادثات مع المسؤولين الأمريكيين الذي وضعوا الاعتراف بإسرائيل شرطا لأي صفقة بين البلدين والتي قد تؤدي إلى مساعدات بالمليارات.
ويدير السودان محادثات مع صندوق النقد الدولي. ولكن بدون دعم من الولايات المتحدة، لن يستطيع الحصول على قرار بالإقراض مما يجعل المستثمرين والمقرضين يتجنبون التعامل مع الخرطوم. ولم يكن السودان قادرا على شطب 60 مليارا من الديون السابقة.
وقال آدم الحريكة مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية: “يحتاج الاقتصاد إلى دعم خارجي وأن يشطب عن قائمة الدول الراعية للإرهاب”.
وعندما وصل حمدوك إلى السلطة قبل عام تقريبا، وعد ببناء السلام في البلاد واقتصاد 19 مليار دولار. ونظر للإصلاحات الأخيرة، مثل توقيع اتفاق سلام مع جماعات المعارضة وإنهاء الحكم الإسلامي كخطوة على طريق التحول. لكن عدم الاستقرار الاقتصادي يؤذن باضطرابات قادمة.
وقال المساعد السابق لوزير المالية همام أحمد يوسف: “لو نجح حمدوك في الاقتصاد، فسينهي فترته الانتقالية، أما إن لم يستطع كما هي الأمور الآن، فلا أعتقد؛ لأن الناس سيضيقون ذرعا”.
وقال الحريكة إن “أكبر تحد يواجهنا هو الاقتصاد. وغطت التحديات الاقتصادية على الإنجازات التي تمت في مجالات أخرى”. مضيفا: “أصبحت أكثر تحديا مع كوفيد- 19 والفيضان”.
وتضاعفت المشاكل مع تراجع قيمة الجنيه السوداني أمام الدولار الأمريكي من 145 إلى 252 الشهر الماضي. فيما زاد التضخم بنسبة 160% في آب/ أغسطس، وهو الأعلى عالميا بعد فنزويلا وزيمبابوي.
هناك نقص واسع في الخبز، حيث تكافح الحكومة للحصول على العملة الصعبة كي تدفع ثمن القمح المستورد. ويلوم المسؤولون تجار السوق السوداء الموالين للنظام السابق والذين يدفعون سعر الصرف لمستويات غير مسبوقة بعد سنوات من العقوبات الأمريكية، مما صعب من مهمة الحكومة لتحديد سعر رسمي لصرف العملة.
وقال الحريكة: “لدينا نظام محطم ويعاني من مظاهر ضعف. ويزداد التضخم لعدم قدرة الحكومة على توفير المصادر لكي تدفع ثمن المواد الأساسية المستوردة” و”علينا أن نكسر دائرة التضخم وانخفاض سعر صرف العملة”.
وأعلنت الحكومة الانتقالية هذا الشهر عن حالة طوارئ اقتصادية بعد انهيار قيمة العملة. وأعلنت عن محاكم للتجار الذي يبيعون الذهب بأسعار عالية. وفي هذا الأسبوع أعلنت شرطة الخرطوم عن اعتقال عصابة تقوم بتزوير العملة السودانية.
وقالت القائمة بأعمال وزير المالية السوداني هبة محمد علي، إن الملاحقة تستهدف المخربين الذين يقومون “بعمليات منظمة لتخريب الاقتصاد السوداني وخنق الحكومة الانتقالية”.
وقال إبراهيم النور، أستاذ الاقتصاد في جامعة الخرطوم: “يسيطر التجار على كل شيء”. ومع أن السودان يبيع البترول والذهب والصمغ العربي للدول العربية بشكل رئيسي، إلا أن الاستيراد يتفوق على التصدير بنسبة 50%.
وحرم الاقتصاد من العملة الصعبة منذ انفصال الجنوب عام 2011، حيث أخذ معه ثلثي الإنتاج النفطي. ولا يزال الجيش يتحكم بالاقتصاد. وقالت أمل التيجاني علي، مستشارة الاستثمار في الخرطوم: “يسمح للجيش وقوات الأمن بتملك شركات” و”معظمهم يصدّر ولا يدفع موارد للدولة”.
ويشعر الناشط ثويب هاشم جلاد الذي شاهد “الناس يموتون” من أجل التغيير أثناء الاحتجاجات بالخيبة، ويقول: “لا يمكننا تحميل النظام السابق المسؤولية 100% لأن البلد يقوده حمدوك والجيش، لكن الحكومة المدنية ضعيفة”، وأضاف: “الاقتصاد سيئ والدولار في ارتفاع وعندما لا يتوفر الخبز فسنبدأ من جديد”.