الصمت الروسي والقلق الإيراني
د. أحمد درزي
كاتب سوري مستقل
ما إن انطلقت العملية العسكرية التركية باتجاه عفرين حتى بادرت السلطات السورية للاعتراض عليها، ووصفتها بالاحتلال التركي، وهددت حتى باستخدام المنظومات الجوية لإسقاط الطيران التركيّ، ثم ما لبث الصمت بالسيطرة على الموقف السوري، تركاً لإمكانية دخول القوات السورية إلى عفرين والتموضع على الحدود السورية-التركية مع عودة الدولة إلى كافة القطاعات المدنية. وقد سبق كل ذلك انسحاب الاستشاريين الروس من عفرين كإشارة لتفاهم روسي-تركي غير محدد المعالم، وغض النظر عن الاجتياح التركي لعفرين، وبما يتعلق بمنطقتي إدلب وعفرين اللتين تشكلان عُمقاً استراتيجياً لتركيا بديلاً عن حلب والموصل، ذلك أنَّ معاهدة لوزان ستنتهي عام 2023 وهذا ما تعوّل عليه تركيا لإعادة رسم خارطة المنطقة، وهذا ما يمكن أن نتبينه في ضوء مجموعة من المؤشرات:
المؤشر الأول، هو الامتعاض التركي من تقدم القوات السورية والحلفاء في مناطق شمال شرق حماه وجنوب حلب والجنوب الشرقي بإدلب في المناطق التي كان من المفترض أن تنسحب منها المليشيات المسلحة المدعومة منها إلى غرب الطريق الدولي الذي سيسلم للشرطة الروسية، وتبقى القوات السورية شرق سكة الحديد.
المؤشر الثاني، حصل بتاريخ ٣٠ كانون الثاني 2018، عندما تقدم رتل عسكري تركي مكون من أكثر من مائة عربة، ويريد التموضع مقابل الحاضر، ما دفع بالقوات السورية والحلفاء للتصدي الناري له، مما أجبره على الانسحاب باتجاه الأتارب فتعرَّض لعبوة ناسفة قتلت ثلاثة من جنوده مما اضطره للانسحاب من جديد، وقد ترافق ذلك مع استهداف الفريق الإعلامي لمحطة برس الإيرانية في عفرين من قبل الطيران التركيّ.
المؤشر الثالث، هوإعادة المحاولة من جديد بتاريخ ٧ شباط ٢٠١٨ للتموضع في نقطة الحاضر ليمنع تقدم الجيش والحلفاء باتجاه تلة العيس والانطلاق لفك الحصار عن الفوعة وكفرية ومن ثم تحرير مدينة إدلب.
المؤشر الرابع، هواعتراض الرئيس الإيراني حسن روحاني على دخول أية قوات أجنبية إلى سورية من دون الموافقة الرسمية من الحكومة الشرعية في دمشق، وبالطبع فإنه لا يقصد بذلك القوات الأمريكية التي يُعَدُّ وجودها واستمرارها في شمال شرق الفرات تهديداً وجودياً للنظام السياسي في إيران وبالحد الأدنى تهديداً للخط البري الذي تم فتحه عبر العراق إلى البحر الأبيض المتوسط وما هذا التصريح إلا تعبير عن القلق الإيراني من إمكانية تفاهم خلفي بين روسيا وتركيا يتعلق بمصير المستقبل السياسي لسورية، وإعطاء الأتراك مناطق نفوذ مباشرة في عفرين وإدلب وشمال شرق الفرات مقابل ضمان خروجهم من حلف الناتو وإيجاد نوع من التوازن بين تركيا وإيران في آسيا الوسطى وبحر قزوين، وبما يخدم استمرار الإدارة الروسية لمنطقة تُعَدّ المجال الحيوي والأمني والاقتصادي لها.
أدرك الأتراك بسبب الرسائل النارية والسياسية لمحور المقاومة أنَّ الأمور قد تذهب للصدام في أكثر من منطقة، مما استدعى بوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو للسفر إلى طهران مع تصريح الرئاسة التركية بإمكانية انعقاد اجتماع ثلاثي أستنة الرئاسي لتبديد القلق الإيراني السوري من احتمال وجود تفاهم روسي-تركي قد يدفع ثمنه من جيب سورية، ويرتد على إيران بخسارتها لجزء كبير من النفوذ الأمني والعسكري الذي امتد إلى حدود الجولان المحتل.
بالطبع كل هذا لا يبدد القلق السوريّ-الإيرانيّ، فلابد من العمل وبحدة على إفشال هذا التفاهم الغامض بالإصرار على تحرير إدلب كاملةً وعودة عفرين لكنف الدولة السورية، لأنه وإن كانت إدارة الدولة الروسية هي بيد الرئيس بوتين؛ لكن لن تنجلي حقيقة الأمر إلا بمعرفة أن هناك كتلة كبيرة من الإدارة السياسية في روسيا ميّالة وبشكل واضح للتعاطي مع الغرب كهدف نهائي واستراتيجي رغم رفض الغرب لهذه الفكرة، وبالتالي فإنَّ إمكانية الاختراق الغربي عبر روسيا تبقى قائمة وخير دليل على ذلك هو وثيقة سوتشي التي وضعها فيتالي نعومكن، الغربي الهوى والتفكير والمصلحة، إذ وضع فيها الكثير من الفخاخ التي ترضي الغرب وإسرائيل، وترافق ذلك مع تصريحات روسية متكررة تعبر عن التردد والضعف بتناول المسألة السورية كتصريح لوزير الخارجية الروسي لافروف قال فيه "نرجح أن تكون الولايات المتحدة قد اعتمدت نهجاً لتقسيم سورية" ….. "توجد خطط للتقسيم الفعلي لسورية.. ونحن نعلم ذلك وسنسأل الزملاء الأمريكيين كيف يتصورون ذلك..؟؟" واستأنف لافروف: "يبدو جليّاً أن الأمريكيين اعتمدوا طريقة لتقسيم هذه الدولة، ولذلك نكثوا بالعهود التي قطعوها لنا بأن الهدف الوحيد من وجودهم في سورية هو هزيمة داعش".
وعليه، لا يمكن أن تقدّم روسيا ضماناً كاملاً لمستقبل سورية الموحدة والمستقلة، لذلك لا بدّ من الاعتماد بشكل متوازن على صناعة القوة الداخلية وقوة محور طهران-دمشق-بيروت لإسقاط أية تفاهمات يمكن أن تصاغ -لأي من الأطراف- بما لا يخدم مستقبل سورية.