علوم وتكنولوجيا

“غناوة” المغرب: موسيقى صوفية جذورها أفريقية

تعتبر موسيقى "غناوة" من الأنماط الشعبية للموسيقى في المغرب وتأثرت بها فرق فنية أدت ألحانا وأغاني استقطبت جمهورا واسعا. الصحفية منيرة الشايب تتناول أصول هذه الموسيقى ومناطق انتشارها.

أعادني حفل لموسيقى غناوة من أداء فرقة مقرها في لندن، إلى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي عندما كانت فرق مغربية مثل "ناس الغيوان" و"جيل جيلالة" تحظى بشعبية كبيرة بين الشباب في البلدان العربية وخصوصا في بلدان شمال أفريقيا.

في ذلك الوقت لم نكن نفهم معنى كلماتها، ولم نكن لنولي الكثير من الاهتمام لما كان يتردد في كثير من الأحيان حول أعضاء هذه الفرق بوصفهم غير متعلمين يمثلون "الطبقات الشعبية جداً" وموسيقاهم "هابطة"، بل كنا نحب ونقدر ونحفظ ونردد ما بدا لنا فناً ذا إيقاع جميل وسريع محملا برسائل قوية.

من أين جاء هذا النمط الموسيقي؟

تختلف وجهات النظر حول نشأة كلمه "غناوة" وما إذا كانت تشير إلى مجموعة عرقية معينة أم إلى موسيقاها، إذ يرى بعضهم أن أصل كلمة "غناوة" تحريف لحق الاسم الاصلي الذي كان هو غينيا وقد استخدمت التسمية أول مرة للدلالة على لون البشرة لتعني "السود".

ووفقا لهذا الرأي ، فإن مصطلح "غناوة" يشير إلى أقلية عرقية تسكن شمال أفريقيا لكن أصلها يعود إلى مستعبدين وجنود جيء بهم من غرب أفريقيا فاتخذوا هوية جماعية في المنفى.

وفي المغرب، يُعرف السكان المنحدرون من أصل أفريقي بهذا الاسم رغم أنه يشمل أحيانا مجموعة من الأمازيغ، غير أن لهم أسماء مختلفة في بلدان شمال أفريقيا الأخرى.

وثمة من يرى أن "غناوة" موسيقى تخص القادمين من أعماق الصحراء، الذين اندمجوا في المشهد الثقافي والاجتماعي في المغرب وباقي بلدان شمال افريقيا، إذ أسسوا نموذجهم الخاص للمحافظة علي التقاليد والموسيقى التي كانت من أسلافهم.

ويشارك راقصو "غناوة" في احتفال "الليلة" باستخدام "الدربوكة"، وهذا طقس يشمل الإنشاد الصوفي والموسيقى والرقص فضلا عن تقلدهم الحلي وإحراقهم البخور، ويجري على مدى ليلة كاملة تنتهي بمطلع الفجر، وهي في الأصل موسيقى روحية غالبا ما تستخدم في "الشفاء" وتشترك في طقوسها مع الجماعات الصوفية الشمال الأفريقية التي تستخدم الموسيقى والغناء والرقص في الابتهالات في جو يُراد له أن يضفي "الطمأنينة والسلام" أثناء أداء الطقوس.

وتبدأ "الليلة" بحكايات يذكر فيها "غناوة" مناطقهم الأصلية وتجربة أسلافهم المستعبدين وحكاياتهم عما تعرضوا له من احتطاف وبيع ووحدة وخلاص في نهاية المطاف.

وتعكس "غناوة" أثر الثقافة الافريقية علي المغاربيين عموما، إذ تتجلى اللمسة الأفريقية بوضوح في الرقصات والملابس التي يرتديها المغنون.

أما جذور الموسيقي الافريقية فهي بينة في آلاتهم الإيقاعية "كالقرقب" و"الغمبري" و "الطعريجة" وكذلك في العباءات والقبعات ذات الألوان المختلفة التي يرتديها الموسيقيون ويزين معظمها بالصدف.

لماذا ظل هذا النمط الموسيقي مهمشا؟

ونظرا لتفاعل "غناوة" مع العالم الروحي فقد ظلت لقرون كمجموعة دينية مهمشة، وبعد أن أصبحت موسيقاها أكثر شعبية داخل المغرب وفي شمال أفريقيا غدت أكثر ميلا للعلمانية. أما في العقود الثلاثة الماضية، فقد أعيد تقييم وضع "غناوة" داخل المغرب فبدأت فرقهم في المشاركة بانتظام في الفعاليات الثقافية والمهرجانات البلدية والوطنية.

ويرجع هذا التأثير في جزء منه إلى فرقة بعينها أدخلت نمطا موسيقيا جديدا هي فرقة "ناس الغيوان" التي تبنت في أوائل السبعينيات نمطا موسيقياً جديداً نابضا بالحياة ومازجا بين موسيقى "غناوة" وأنماط موسيقية أخرى باستخدام كلمات "ثورية" أو فيها تلميح إلى الثورية.

وقد حملت أغاني الغيوان دعوة للحرية ورسالة سياسية قوية ضد مظاهر الحيف الاجتماعي وتجليات الأزمات السياسية وهموم الشباب المغربي ورغبته في الهجرة نحو أوربا.

كما عكست أغانيها تفاعلا مع بعض القضايا العربية في ذروة النزاع العربي الاسرائيلي بالأراضي الفلسطينية ولبنان، فضلا عن توجيه انتقادات لاذعة لبعض الزعماء العرب حينها.

وهكذا أصبحت موسيقى "غناوة" واحدة من أكثر الأنماط الموسيقية شعبية في بلدان شمال أفريقيا، إذ أنها لم تكتف بجذب عشاقها جميعا في العالم بل جلبت أيضا موسيقيين أوروبيين وأميركيين معروفين مثل راندي ويستون، وبيل لاسوال وروبرت بلانت، كما أبرز تأثير "غناوة" في موسيقى فرقة ناس الغيوان العناصر الأفريقية للثقافة المغربية التي تؤكد التضامن مع أنماط الموسيقي الثورية الأخرى للمغتربين الأفارقة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى