جون بولتون مستشاراً للأمن القومي.. اكتمل الطوق حول إيران

د. مصطفى اللباد*
بعد غياب دام عقدا ونصف العقد عاد المندوب الأميركي الدائم في مجلس الأمن جون بولتون في فترة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش إلى بؤرة الحدث، بعد تعيينه مستشاراً للرئيس ترامب لشؤون الأمن القومي. شارك بولتون في حملات دبلوماسية وإعلامية هددت بضرب إيران في الأعوام 2007 و2008 من دون أن تفعل ذلك، توخياً لانتزاع تنازلات سياسية من طهران. كان بروفايل جون بولتون، الصقر المنتمي إلى المحافظين الجدد، ملائماً لهذه الحملات وقتذاك. أمّا اليوم فسياق تعيينه يشي بأكثر من مجرد حملات دبلوماسية بغرض انتزاع تنازلات سياسية. اكتملت حلقة التصعيد ضد إيران بوجود مايك بومبيو وزيراً للخارجية وجينا هاسبل مديرة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وتعيين بولتون مستشاراً للأمن القومي. يملك جون بولتون علاقات قوية مع الملياردير شيلدون أديلسون إمبراطور الكازينوهات في أميركا، الذي يملك بدوره علاقات ممتازة مع كل من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي. وتقول تقارير صحافية أميركية إن بولتون تحدث هاتفيا مطلع الشهر الجاري مع ترامب من لاس فيغاس، بعد لقاء مع أديلسون ليشجعه على التشدد في الموضوع الإيراني.
لا يعني ذلك أن الصواريخ والطائرات الأميركية ستتوجه نحو إيران قريباً لقصفها، فالرئيس ترامب يبدو متأثراً كثيراً بأسلوب رجال الأعمال، أي عدم التورط في نزاعات مسلحة، وإنما استعمال كل الأدوات المباشرة وغير المباشرة للضغط على الخصوم واقتناص المكاسب من الشركاء. كما أن الرأي العام الأميركي لا يبدو مستعداً لحرب جديدة تقودها أميركا في الشرق الأوسط، لا سيما أن تورط أميركا العسكري المباشر في المنطقة سيكون له أعباء اقتصادية كبيرة لا يريد الأميركيون تحملها. إلا إذا أعلنت إيران أنها ستعود إلى تخصيب اليورانيوم بمستويات عالية وقدمت الذريعة للحرب ضدها على طبق من فضة، وهو أمر لا يتساوق مع التجربة التاريخية لإيران في المفاوضات النووية. في هذا السياق يبدو أن إسهام جون بولتون، بالتعاون مع حلقة الصقور المحيطة بترامب، سيتمثل في الانسحاب من الاتفاق النووي الموقع بين الدول الست الكبرى وإيران في شهر مايو المقبل، أي موعد التقرير ربع السنوي للاتفاق، وهي الآلية المعتمدة أميركيا للاستمرار في الاتفاق بين الرئيس والكونغرس. وكان ترامب في سياق تصعيده للأمور قد أعلن أن شهر فبراير كان آخر مرة يمرر فيها الاتفاق النووي المبرم مع إيران، وهو ما يعني الانسحاب من الاتفاق. بعد ذلك سينفتح الباب أمام إدارة ترامب لفرض عقوبات اقتصادية، حزمة تلو أخرى، والوقوف في وجه الانتقادات الأوروبية والروسية والصينية لذلك. بالتوازي مع ذلك تنسيق أميركي صارم مع الحلفاء الشرق أوسطيين عبر حملات إعلامية ودبلوماسية متواصلة، بغرض تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة.
خطورة ما يحدث في واشنطن حالياً أن قنوات الاتصال الخلفية بين إيران وأميركا والموزعة على آسيا وأوروبا، والتي اشتغلت بكفاءة عالية في العقدين الأخيرين ومنعت نشوب أزمات كبرى بين واشنطن وطهران، لن تجد آذانا صاغية في واشنطن بعد الآن. تغيرت قواعد الاشتباك الإيراني – الأميركي ولم تنتظم آليات وسياقات لها حتى الآن؛ والمصالح الضمنية المشتركة بين الطرفين الإيراني والأميركي في المنطقة بعد عام 2003، والتي اعترف بها أوباما خلال فترتي ولايته الرئاسية وكانت حادية له في مساعيه لإبرام الاتفاق النووي، لم تعد الأساس الذي تُبنى عليه السياسة الأميركية حيال إيران. لن تجدي الحملات الإعلامية والدبلوماسية لانتزاع تنازلات سياسية من إيران اليوم، مثلما لم تجد عامي 2007 و2008، ومرد ذلك الحسابات الإيرانية الجيدة والقنوات الخلفية والمصالح المشتركة التي جمعت بين الطرفين بعد احتلال العراق عام 2003. في المقابل مهمة إيران ليست سهلة على الإطلاق، أمام إدارة تجعل الضغط على طهران وعلى إلغاء الاتفاق النووي معها مرتكزاً لمشروعيتها في المنطقة.
*المقالات تعبر عن أصحابها وليس بالضرورة عن الصباحية