كتاب وآراء

تأمل في هجر الزوج بين التشريع القرآني والواقع

فاطمة همة*

خبيرة ومستشارة أسرية


تعاني النساء المسلمات في عصرنا الحالي من حالة من الضياع، بين المفاهيم الجديدة التي تتلقاها بشكل متواصل وجميل حول حقوق المرأة وحرياتها العديدة والمختلفة، وبين المفاهيم الدينية التي تترد كثيرا في القنوات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي وايضاً في مسجد الحي.

وبينما ترى شريكها الرجل يتمتع بكامل حريته، سواء من ناحية الدين الاسلامي والحقوق والحريات الكبيرة التي منحها للرجل أو الحريات الاخرى التي يقدمها له المجتمع المدني الحديث، الذي يشجع خروج المرأة إلى المجتمع دون حجاب يحميها ويحمي مفاتنها الهائلة والساحرة لتكون في متناول الرجل بسهولة.

يأتي الرجل المسلم ويتسلح بالآيات القرآنية التي يبدو ظاهرها يقف مع الرجل ضد المرأة، يأتي هذا الرجل ليطبق تعاليم الاسلام ضد زوجته وخاصة آية (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع…)، ناسيا ان الله سبحانه وتعالى يقول أيضا: (….. خلق لكم من انفسكم أزواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة).

متى يحق للزوج ان يهجر زوجته في الفراش؟ وكيف؟
يحق للزوج ان يهجر زوجته اذا كانت تعصيه وتمنعه حقه المسلم في الاستمتاع بها ومعها في السرير.
وكيفية الهجر بحسب التفاسير الرائجة، هو ان ينام بجوارها ولكن يدير ظهره لها، او ان يمارس الجنس معها مدبرا عنها دون مداعبات سابقة.

اذا الهجر يكون فقط في حالة العصيان والمنع من الاستمتاع في السرير وليس على الشاردة والواردة مما لا علاقة له بالحقوق ولا الطاعة وليس كلما خالفته في رأي معين كائنا ما كان ذلك الرأي، او تصرفت تصرفا يغضبه، وربما كانت تصرفاتها نابعة من ممارستها لحقوقها التي منحها إياها ديننا الحنيف كالانفاق من مالها أو استضافة والديها في منزلها وما شابه.

ومع أنني اشجع الزوجات على طاعة الزوج في اغلب الاحيان لأنه ادوم للمودة والمحبة ويعطي أثراً طيبا كلما طال عمر العلاقة الزوجية إلا أن هذا لا يعطي مبررا للزوج لإشهار سلاح الهجر في وجه الزوجة لأتفه الأسباب.

هذا ناهيك عن ان الهجر بالنسبة للكثيرين بحق وغالبا بغير حق يعني مقاطعة الزوجة بالحديث والكلام والاعراض عنها وربما طال الاعراض اياما واسابيع وترك سريرها بل وحتى غرفتها لينام في غرفة اخرى او في الصالون. بل وربما بلغ به الامر حد ترك المنزل لينام في بيت اهله او عند اصدقائه. وربما ايضا التفكير بالزواج من اخرى زواجا شرعيا او عرفيا ولو تحت تحت مسمى المسيار والموقت و…الخ

وهكذا يكون الزوج يهدم بناء اسرته ويعرضه للخراب والدمار وكل ذلك لاجل هفوة من زوجته وشريكته قد لا تكون ثابتة او قد لا تقصدها او لا تستحق عليها كل هذه التصرفات التي هي اقرب منها للطيش والجهل والجاهلية الى منطق المودة والمحبة والرحمة الذي جاء به القرآن.
كما ان الهجر في السرير لا يعني ان يرفع الرجل يده عن تعاليم القرآن الآمرة بالرحمة والمودة ولا يعني ايضا  ان يترك المضجع والسرير الى مكان آخر حتى ولو كان في المنزل والبيت ذاته.

كما ان العارفين بنفسية المرأة ورقتها ورهافة حسها يعرفون جيدا ان الهجر يكون اكثر تاثيرا وفاعلية ووقعا اذا كانا معا في السرير الواحد؛ لان المرأة تطلب روحها ونفسها المحبة والرقة والغزل والمودة اذا كان الرجل قريبا منها وفي متناولها لا اذا كان بعيدا عنها وفي مكان آخر. وهذا يقودنا للحديث عن  ان كثيرا من الرجال لا يلاطفون ولا يداعبون زوجاتهم في يومنا الحالي، ولا يحسنون معاملتهن حتى ولو كانت الزوجة مطيعة ولطيفة وآية في الطاعة والولاء والاخلاص.

 كما ان عددا كبيرا من الرجال يعتبرون ان التودد للزوجة وملاطفتها هو تحصيل حاصل وامرا لا محل له بعد الزواج، فبدل ان يسمع الرجل زوجته عذب الكلام ويعاملها بلطف تراه يبحث عن اخرى ليبثها مشاعره ويطارحها الهوى والغرام!!! على الرغم من ان زوجته ورفيقته وشريكته احق باللطف من غيرها حتى ولو كان ذلك ضمن اطر شرعية وقانونية فما بالك اذا كان ذلك خارج اطار الشرع والقانون والاخلاق فقط وفقط لان التكنولوجيا الحديثة والاجهزة الذكية قد جعلته اسهل وفي متناول اليد لمن كان ضعيف النفس والاخلاق.

ان الاحكام الاسلامية جاءت لتنظم حياة البشر وفق القانون الإلهي الذي يسعد كل من يطبقه سواء امن بالله ام لم يؤمن.
والله سبحانه وتعالى يؤكد في مواضع عدة من كتابه الكريم على انه خلق الزوجين من نفس واحدة وجعل بينهما مودة ورحمة.
فكيف يريد احد الزوجين ان يحبه شريك حياته ويأنس به وهو يعامله بجفاء لمجرد اخطاء صغيرة او سوء فهم في معظم الحالات وهو نفسه لا يسلم من الوقوع في مثلها ان لم يكن الوقوع في اعظم منها بكثير؟!
 
كما ان قوله (جعل بينكم مودة) اي محبة ولا تجتمع المحبة مع الشدة.
ومن ثم جعل رحمة اي اذا خفّت المودة لاسباب معينة فلنشفق على بعضنا البعض ولا نعجل في اصدار الحكم وقطع حبل الوصل.
وخلاصة القول ان الهجر علاج قرآني مضبوط ومشروط باسبابه الصحيحة وليس هو سلاحا عشوائيا يستعمله الزوج في وجه المرأة مزاجيا وكيفما اتفق.

 

وجهات نظر أصحابها وليس بالضرورة عن الصباحية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى