تقدير موقف

أبناء الطبقة الوسطى في مصر حاليا ثلاثة أجيال

احمد دياب*

ممكن تقسيم أبناء الطبقة الوسطى اللي عايشين في مصر حاليا لتلات أجيال:
الجيل الأول: (الجيل المستقر) مواليد الخمسينيات والستينيات، ودول اتعلموا تعليم متميز في مدارس وجامعات حكومية، ولما اتخرجوا في السبعينيات والثمانينيات اشتغلوا مباشرة في وظائف حكومية مستقرة برواتب معقولة (كان خريج الجامعة حديث التعيين في سنة 1970 راتبه 17 جنيه شهريا بما يعادل القوة الشرائية لحوالي 12 ألف جنيه حاليا). وكل حاجة كانت مدعومة تقريبا لكل الناس والفروق الاجتماعية بين أبناء الطبقة الوسطى مكانتش كبيرة. وبعد فترة اتحسنت أحوال بعضهم بشكل كبير عن طريق: 1- السفر للخارج (كان الشاب بيسافر على مضض ولفترة مؤقتة علشان يحسن ظروفه، ويرجع بعد كده يبدأ حياة مستقرة في مصر)، 2- تجريف الأراضي الزراعية وبيعها للبناء بأسعار مربحة (بالنسبة للي أهاليهم اتملكوا أراضي زراعية في وقت سابق أيام الاصلاح الزراعي)، 3- فساد كتير من مدراء المؤسسات الحكومية.. ومع تحول الدولة من نظام رأسمالية الدولة إلى نظام الانفتاح الاقتصادي بدأ عدد كبير من اللي كونوا رؤوس أموال صغيرة دول يزودوا أموالهم، وفي المقابل كان فيه عدد أكبر بكتير من اللي الظروف مساعدتهمش فضلوا محلك سر. وفضلت الأسعار تزيد ورواتبهم ماتزيدش بنفس المقدار، فتدهور المستوى الاجتماعي لهم ولأسرهم بالتدريج.

الجيل التاني: (الجيل المسروق) مواليد السبعينيات والتمانينيات، ودول مع الزيادة السكانية وتدهور الخدمات العامة بدأت نوعية تعليمهم تنحدر، وبدأت ظاهرة الدروس الخصوصية تنتشر، وبقت الفروق الاجتماعية تزيد داخل الطبقة الوسطى نفسها، بحيث أصبح فيها شريحة عليا وشريحة وسطى وشريحة دنيا، بينهم اختلافات كبيرة. وزادت مدارس اللغات الخاصة والمدارس الدولية في فترة التمانينيات وانتشرت الجامعات الخاصة في نهاية التسعينيات، وهكذا أصبح اللي أهله من الشريحة العليا في الطبقة الوسطى يقدر يدخل مدارس متميزة ويجيب مدرسين خصوصيين متميزين وحتى لو مجابش المجموع المأمول بعد كل ده هيقدر يدخل جامعه خاصة. واللي ممعاهوش فلوس يتعلم تعليم رديء في المدارس الحكومية التعبانة وبالتالي في الغالب ميقدرش يجيب مجموع كبير يدخل بيه كلية مميزة علشان يلاقي وظيفة مميزة. ولما خرجوا لسوق العمل في نهاية التسعينيات وبداية الألفية الحالية، مالقيوش لا سوق ولا عمل، لأن المؤسسات الحكومية الكبيرة كانت إما تم إغلاقها أو تم بيعها بأسعار رمزية لأصحاب الحظوة من الناهبين المحليين أو الأجانب.. ومبقاش قدام أبناء الجيل ده غير انهم يعيشوا اليوم بيومه. الجيل ده اتسرق منه حلم الحياة المستقرة وحلم الأمان الوظيفي بعد لما اتسرقت أصول بلده نفسها عن طريق الخصخصة، وبقوا فريسة سهلة للناهبين الجدد من أصحاب القطاع الخاص يبيعوا ويشتروا فيهم براحتهم، لأن العرض كتير والطلب قليل، وبالتالي تم اجبارهم على قبول أجور بخسة وعقود عمل مؤقتة مش بتضمن لهم أي حقوق، ولا أي تأمينات للمستقبل أو ضمانات اجتماعية، مع تهديدات مستمرة بالفصل من العمل في أي وقت. واللي قدر من الجيل ده يحقق المعجزة ويسافر للخارج بقى حلمه انه مايرجعش للبلد مرة تانية.

الجيل التالت: (جيل الأمر الواقع) مواليد التسعينيات، ودول من البداية عارفين ان التعليم في معظم الجامعات الحكومية وحتى الخاصة مبقاش وسيلة للحراك الاجتماعي إلى أعلى، ولا حتى وسيلة تضمن الحصول على أي فرصة عمل مستقرة، بعد لما شافوا في الجيل اللي قبلهم خريج التجارة شغال نقاش وخريج الهندسة شغال قهوجي وخريج الحقوق شغال سباك وخريج الآداب سواق توكتوك وخريج العلوم واقف بعربية كبدة في الشارع… الخ. مع احترامنا لجميع المهن. الجيل ده أصبح السفر بالنسباله مش حلم علشان يغتني، لكن هو الأمل الوحيد اللي ممكن عن طريقه يحصل على حاجاته الإنسانية الضرورية بس. وحتى الحلم الخليجي بقى بعيد المنال في الظروف الحالية من سعودة وتكويت وقطرنة… الخ. أما حلم السفر لأوروبا أو أمريكا فهو الحلم المستحيل لمعظم أبناء الشرائح الوسطى والدنيا من الطبقة الوسطى. مواليد التسعينيات بقوا عارفين كويس جدا إن تكوين الثروة مش بيتم عن طريق الشغل والاجتهاد، ولكن عن طريق جعل الآخرين يشتغلولك. وعلى الرغم من إن كتير منهم دلوقتي على مشارف الثلاثين بدون تحقيق أي ثراء أو حتى تأمين مصدر دخل دائم، لكن لسه عندهم طموح الثراء السريع. وبقى الملجأ الأخير المسيطر على توجهاتهم هو بعض الأفكار اللي كتير منهم شايفينها أفكار واقعية، زي التسويق والمشاريع الخاصة الصغيرة وريادة الأعمال، اللي بيتم الترويج ليها عالميا بشكل مكثف في آخر 10 أو 15 سنة.

*طبعا الشريحة العليا من الطبقة الوسطى أحوالها وطريقة تفكيرها مش بتختلف كتير عن الطبقة العليا من كبار الناهبين. ومعظم أبناء الشريحة دي مجرد خدامين ومساعدين للناهبين الكبار، ومن الطبيعي يدافعوا عنهم. لكن الغريب لما تلاقي البعض من أبناء الشريحتين الوسطى والدنيا في الطبقة المتوسطة، بيدافعوا عن كبار الناهبين!

*المقالات تعبر عن أصحابها وليس بالضرورة عن الصباحية

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى