منوعات

الحقيقة والوهم في قصص العمل الحر وريادة الأعمال

احمد دياب*

"اربح وأنت جالس في منزلك. وداعا للعمل الروتيني الممل. حقق أحلامك واكسب مئات الدولارات يوميا عن طريق الإنترنت. قل لا للعمل المكتبي المرهق وابدأ عملك الحر الممتع…"

انتشر في العقدين الأول والثاني من القرن الحادي والعشرين الترويج للعمل الحر freelancing وريادة الأعمال entrepreneurship ، ويرى المتحمسون لتلك الفكرة أن المستقبل يكمن في تلك النظرة الجديدة للعمل بعيدا عن الأعمال التقليدية التي عرفها الناس على مدى مئات السنين.

وبنظرة سريعة على العمل الحر، نجد أن الكلمة البراقة تجتذب الشباب الباحث عن الحرية بصفة عامة، ومن ثم فما أجمل أن يكون العمل "حرا". ولهذا نجد أن نسبة المتجهين إلى العمل الحر في أول عقدين من القرن الحادي والعشرين تتزايد باستمرار. فقد "ارتفعت العمالة الحرة بنسبة 43% في المملكة المتحدة منذ عام 2008،… وهناك توقعات بأن 40% من القوة العاملة في الولايات المتحدة الأمريكية سيعملون بشكل مستقل وحر بحلول عام 2020."
http://www.bbc.com/arabic/vert-cap-42405967?ocid=socialflow_facebook
"وكانت نسبة العمالة الحرة في الولايات المتحدة قد وصلت إلى 34% من قوة العمل في عام 2014"
https://benrmatthews.com/freelance-statistics/

غير أن المروجين لهذا النوع من العمل لا يوضحون بشكل كافِ لماذا يتجه الشباب نحو ذلك العمل الحر؟ وهل هم "مجبرون" على تلك "الحرية" نظرا لعدم وجود فرص لهم في سوق العمل التقليدي الـ "غير حر"؟ أم أنهم يختارون ذلك بكامل "حريتهم" في ظل توافر فرص متنوعة لهم في العمل التقليدي؟ كما يسهب المتحمسون لتلك النوعية من الأعمال في إظهار المميزات، والتركيز على "النماذج الاستثنائية" الناجحة فقط، بينما لا يتحدثون بنفس القدر عن العيوب وعن النماذج الكثيرة التي لم تحقق أي نجاح.

وعندما نفحص الأمر نجد أن أصحاب العمل الحر هم في الغالب يلجأون إليه لسببين:
السبب الأول هو: عدم وجود مكان لهم في الأعمال التقليدية الأكثر أمانا واستقرارا – حيث التأمينات الاجتماعية، والرعاية الصحية، والمعاشات التقاعدية،… الخ.
والسبب الثاني هو: انبهارهم بعدة نماذج يتم الترويج لها على أن الوضع الطبيعي لمن يعمل عملا حرا هو أنه سيجني أموالا طائلة، ويصبح من الأثرياء في وقت قصير.

وبالبحث عن أوضاع أولئك الذين أصبحوا يمتهنون تلك الأعمال الحرة في المملكة المتحدة مثلا، نجد أن "80% من العاملين لحسابهم الخاص… يعيشون في فقر… ويكسب الشخص العادي الذي يعمل لحسابه الخاص أقل بنسبة 40% من الموظف، ويكون معرض بشكل أكبر لأن يعيش على دخل منخفض. وقد أصبح كثير من الناس يعملون لحسابهم الخاص خلال فترة الركود. ولكن الدخل الذي يجلبه العمل الحر انخفض كثيرا عن الأجور التي يحصل عليها الموظفون… " وتشير التوقعات إلى استمرار زيادة تلك الفجوة في الدخل بين أصحاب الأعمال الحرة وبين أصحاب الوظائف التقليدية.
http://www.independent.co.uk/money/spend-save/80-of-self-employed-people-in-britain-live-in-poverty-a7070561.html

أما بالنسبة لرواد الأعمال، فإن الأمر أيضا ليس بالصورة الوردية التي طالما يتم بثها في وسائل الإعلام والإعلانات التي تروج لذلك الاتجاه. ففي الولايات المتحدة مثلا، والتي تتصدر قائمة دول العالم في مؤشر ريادة الأعمال،
https://thegedi.org/global-entrepreneurship-and-development-index/
نجد أن نسبة من يفشلون في مشروع جديد بعد نجاحهم في مشروع سابق هي 70%، ونسبة من يفشلون في مشروعهم الثاني في حالة فشل مشروعهم الأول فهي 80%، أما نسبة من يفشلون في مشروعهم الذي ينشئونه لأول مرة فهي 82% .
https://fitsmallbusiness.com/entrepreneurship-statistics/
وهذا مع الأخذ في الاعتبار أن أولئك الـ 18% الذين قد ينجحون في إنشاء مشروعهم الأول، أو الـ 30% الذين قد ينجحون بعد عدة محاولات من الفشل، لا يصبحون جميعهم أثرياء وأصحاب ملايين الدولارات، وإنما يعني أنهم فقط لم يتعرضوا للخسارة والإفلاس وإنهاء المشروع.

كل الأمثلة والنسب السابقة من خلاصة دراسات وإحصائيات دول متقدمة علميا، تمتلك اقتصاد قوي، ومؤسسات راسخة، وبنية تكنولوجية متقدمة، وتمويلات ضخمة للبحث العلمي، وقوانين وتشريعات يتم تنفيذها بانضباط كبير. وبالمقارنة بالدول التي على النقيض من ذلك، فللقاريء أن يتخيل إلى أي مدى يمكن أن تصل نسب نجاح ونسب فشل من يفتتنون بتلك الأحلام.

*كاتب مصري

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى