أسعد الجبوري: الجوائز الخليجية “تفرض على الأعمال الأدبية أن تكون سطحية حيادية “!
26 أبريل، 2018آخر تحديث: 26 أبريل، 2018
حاوره من باريس / حميد عقبي / راي اليوم
يصعب أحياناً على الصحفي أن يقدم ضيفه عندما يكون بحجم ضيفنا الشاعر الدانماركي من أصل عراقي أسعد الجبوريريوهو أيضا روائي وصحفي ويشرف على موقع الإمبراطور *ـ موقع أدبي إليكتروني ـ وحول هذا الموقع يقول الجبوري ” هذا الموقع الشعري ـ الثقافي العام ـ سيكون من تحرير كل من يرى في نفسه القدرة على أن يكون خالقاً في اللغة ومنصهراً في التشرد اللاعقائدي ومتطرفاً في الطيران والتمرد والاختلاف والمشاكسة وفضح الرموز المكرسة في الحياة الشعرية العربية عن طريق الخطأ المستلهم من التراث الحزبي أو عبر دهاليز الصداقة أو العلاقات المثلية ما بين الضفادع وأهل المستنقعات في الصحافة العربية.”
نحن مع شاعر من أعلام قصيدة النثر العربية، يصفه البعض بالمشاكس لتحرره من كل ما يحد الإبداع وهو يرى أن غالبية الطوَاوِيس المتنزه في الشعر العربي بلا ريش، يوضح ذلك بقوله ” بمعنى أدق: أن احتكاكهم باللغةَ، نَتَفَ نرجسيتهم نَتْفاً،فتركَ أعمالهم على مائدة الديدان، أشبه بفطائر بيتزا فاسدة الخلطة.”
ثم يصرخ عالياً ” بعد الآن ..
لا يُعِدُّ الشِعر ديواناً للعرب،الأسلحةُ أخذت مكان القوافي والأوزان،فأصبحتْ هي اللغةُ الحمراءُ التي تفيضُ بها معاجمُ القراءة والكتابة رقصاً وبكاءً وعويلاً.”
نحن مع روائي مفعمٌ بالجذب السينمائي ويكتب مسحوراً بدهشته لذا فكل أعماله الروائية مسكونة بمس هذا الفن وقد نرى قريباً أحد أعماله معروضة في قالب فيلم سينمائي بقاعات العرض.
تطرقنا للكثير من القضايا والهموم الأدبية والثقافية وموقفه من الجوائز الأدبية وحاولنا أن نضع القارئ على أول خطوة ليبحر إلى عالم أسعد الجبوري وما تحدث فيه من زلازل وبراكين تتنفسّ الغليان وتعشق التحرر..إليكم الحوار.
*هل نحن نعيش زمن الرواية اليوم؟ وما سر تدفق الشعراء العرب إلى أحضان الرواية ولا يحدث العكس؟
ـ أعتقد إننا لم نعش غير زمن الموت أو الهلاك العدمي .الرواية هنا تتقدم على سواها من الفنون، باعتبارها الصندوق الأسود الذي يمكن أن يحتفظ بجميع تفاصيل خرائط السرد .الشعر لا يفعل ذلك،لأن ذاكرته مقدسة وضيقة ولا تستطيع تحمل المهاوي والتفاصيل والحكي.وعندما يهرب الشعراء إلى الرواية،فليس لأنهم يؤدون دور المنقذ للرواية من الضعف،بقدر ما ينقل أغلبهم فشله الشعري إلى الفشل الروائي ،بسبب الثرثرة التي أصبحت من المحاور أو الأسس التي تتمحول أغلب موضوعات الروايات التي كُتبت من قبل الشعراء.ومن هنا،نجد ان الروائيين غير قادرين على كتابة الشعر،كونهم من جينات سردية غير قابلة للتحول إلى تلك الانخطافات الشعرية المُتجوهرة بأعمال المخيّلة.
توجد عشرات الملتقيات والجوائز الأدبية بعالمنا العربي ومعظمها تتركز بدول نفطية أو بدعمها..هل نحن مع واقع تدجين الأدب ليظل تحت جلباب الأنظمة؟ ما رؤيتك لهذا الحراك الرسمي الذي أصبح يهتم بالمنتوج الأدبي وخصوصا الرواية؟
ـ بالضبط.كان التدجين وما زال هو السمة الرئيسية لكلّ ـ وليس لبعض ـ الجوائز الأدبية المتمركزة في دول النفط التي استطاعت توسيع نفوذ الفكر الديني الطائفي المدمر الذي استطاعت توزيعه ونشره في العالمين العربي والعالمي.لذا تفرض الجوائز الخليجية على الأعمال الأدبية أن تكون سطحية حيادية ،لا تحمل الفكر المعرفي الكشّاف المؤثر في حياة الناس.وإلا كيف لدول أميّة لا تجديد القراءة والكتابة وليس لديها أنظمة حكم ديمقراطية أو برلمانية أن تتحكم بمصائر أعمال روائية تطرح قضايا غير موجودة لديها أصلاً ؟!!
* هناك من يرى أن عالمنا العربي أصبح حقلا للخرافات نجدها في المناهج التربوية وتغذيها مئات الفضائيات الدينية ووسائل التواصل وغيرها..هنا هل تحس أنت كشاعر وروائي بأن صوتك مسموع؟ وكيف يمكن أن ينجح الفكر التنويري المحارب والاعزل من الإمكانيات؟
ـ ليست الخرافات جديدة في تربة عالمنا العربي،فقد نجدها متأصلة في صفحات تاريخنا الوجودي،ولكنها تطورت بفضل العقليات الدينية المذهبية التي تشحن العقول بتلك الخرافات،وتقوم بتجديد محتوياتها بين الفينة والأخرى،لتكون بديلاً عن المنتج الأدبي أو الثقافي. ان التاريخ الحضاري العربي سيصبح وهماً بفضل سيطرة الفكر الوهابي الذي جاء سنداً لتيارات أصولية موغلة القدم في الظلام والتصحر الروحي ومعادة التنوير ورموزه ،ممن قضوا موتاً بتصفيات دموية مرعبة .ومن هنا يمكن التوكيد على أن الأنظمة التربوية في العالم العربي،متوائة مع العقول السلفية بأنماطها المختلفة لمحو الضوء أو مسحه من أذهان الناشئة ،بل ومختلف القطاعات وإغراقها بالرمال الظلامية المتحركة.من هنا، فوأد المشاريع الخاصة بالتنوير،بات نشاطاً موازٍ لحركة التنفس في عالمنا العربي الممتلئ بالخرافات والفتاوى والعادات والتقاليد المشؤمة ،مثلما عندنا حركة السحر تمشي على أقدام من حديد!!
* كيف ترى وتصف المشهد الأدبي العراقي بالداخل في ظل أزمات وصراعات سياسية لا تنتهي وكذا الفساد والأزمات الموجعة؟
ـ لست مشغولاً به بسبب الفساد الذي تسربّ إلى مفاصلهعلى مختلف الصعد.نقول ذلك ،ليس لأن المشهد لم يتم تنظيفه من روائح العهد البائد الأخير.أنما لأن الخراب السياسي استولى على الثقافة وجعلها فردة حذاء ملقاة على الطريق.
* البعض يتهم الأدباء العرب الكبار في المهجر بالتعالي وتقديس الذات …ما ردك على مثل هذا الطرح؟
ـ لمً لا.أليست تقديس الذات أعظم شأناً من عبادة أصنام السلطة أوالمساهمة بدفن الثقافة العراقية في مقابر الأحزاب والمرجعيات الطائفية ووزارة الثقافة التي تُدار بقرون الثيران؟!!
* تشرف على موقع الإمبراطور الإليكتروني ما دوافعك للاستمرار بخوض هذه المغامرة وهل حقق أهدافه؟
ـ لقد تجاوز موقع الإمبراطور المهمات الصغيرة،وبات موقعاً مهماً على صعيد الثقافة العربية والعالمية.وسنستمر بتقديم الأعمال المميزة شعراً ونثراً ونقداً وكافة أنواع الفنون التي نج فيها ما يجعل الكلمة لمبة منيرة في النفس أو ما بين الناس.
* أسعد الجبوري شاعر مشاكس بلا مرجعيات وصاحب تجربة شعرية ثرية..ماهي أهم الإنقلابات المهمة في هذه المسيرة؟
ـ ليس غير الانقلاب على محتويات المخيّلة.ففي كل صباح أقوم بتطهير مخيلتي من الأثاث القديم ومن المخلوقات النائمة على تخوتها.بمعنى أنني صاحب تجارب ،ولا اضع نفسي بقالب واحد للتأليف .الشعرُ تاريخٌ مستمر للطيران.
* كيف تصف مناخ النقد الأدبي العربي اليوم؟
ـلا أعتقد بوجود نقد أو حركة نقدية .كأن النقد دخل المدفن وانتهى بفعل التواطئ والعلاقات الثنائية على حساب السلوك الأدبي الذي يتطلب من الناقد أن يكون نزيهاً بعمله،لا أن يكون خائناً للمهنة.
* ما الذي أضافته لك الحياة الدنمارك وهل يوجد بها مشهد أدبي عربي؟
ـ أعطتني هذه البلاد الحرية الفائقة،ومنحتني العزلة الكبيرة المطلقة لمزاولة التأليف والتفكير والأمن بركوب دراجتي الهوائية .
* كثيرون عادوا إلى العراق لتولي مهام ومناصب ..هل تلقيت عروضا لتولي منصب ما؟ وهل ستقبل ؟
ـلم اسع لذلك أبداً،علماً بأنني أعرف الرؤوس الحاكمة الكبيرة يوم كانت صغيرة بحجم رؤوس الدبابيس في المنافي.ثم أنني خُلقت لأكتب لا لأحكم ولو نملة على الطريق.
* تتسم أعمالك الروائية بعناصر جذب سينمائية وتدفق صوري بلمسات مونتاجية مدهشة..ما العوائق التي تقف لتحويلها إلى أفلام؟ وهل هذا الأسلوب مقصود؟
ـ أ نا مفعمٌ بالجذب السينمائي.لذا كتبت رواياتي الست تحت هذا التأثر الفني السحري،خاصة وأن كل رواية من رواياتي تتمتع بموضوع مستقل .منها ما تحدثت عن الاستلاب والقمع والهرب عبر الحدود كما في رواية ((التأليف بين طبقات الليل)) ومنها ما تحدثت عن إرهاب الدولة للفرد كما في رواية ((الحمى المسلحة)) ومنها ما تناولت معادلة توازن الرعب باختراع بطل الرواية فيلمون للظلام الاصطناعي كما في رواية ((اغتيال نوبل)) .كما تناولت كيف يولد الضغط العنصري الانفجار،فيحدث انقلاب عسكري للسيطرة على الحكم في دولة أوروبية كم في روايتي ((ديسكولاند)) وأيضاُ تمتعت روايتي ((سائق الحرب الأعمى)) بتناول حرب الخليج الثانية التي يكتشف فيها البطل بعض الزواحف في صحراء السعودية التي تمتلك مادة صمغية تجعل من كل شئ جسماً مدرعاً ،فيما لو تقع عليه .إما الرواية الأخيرة ((ثعابين الأرشيف)) فهي الرواية الأعظم التي تناولت حروب الربيع الأسود المدعوم من الفكر السلفي.وهي أم الروايات كما قيل عنها.
* ما الذي تكرره وتؤكده وهل ثمة مقدس تحتفي به في منتجك الأدبي؟
ـ لا أكرر شيئاً حتى وجهي في المرآة ولا أهمية لوجود المقدسات الأدبية في وجودي،فأنا من الهدّامين لكلّ شئ أراه بلاد فائدة بلا معنى بلا جنون.
* ما موقع المرأة وكيف تحب تصويرها؟
ـ المرأة مخُ النص.وهي نبض الجسد .اللغة كلها امرأة من الحرائق ومن التأليف الاشعاعي الذي لا ينتهي .
*نسمع كل يوم عن قصص ضرب وقتل تحرش واغتصاب فتيات ونساء وأطفال..ما سبب تنامي العنف المجتمعي بعالمنا العربي؟ ما الذي يجب أن يقدمه الأدب ؟
ـ تلك جرائم مرضى حول العالم. ولا أعتقد بأننا سنرى نهاية لها على هذه الأرض. العنف الجنسي لا يقود إلا إلى حياة من رماد.
* يعيش اليمن تحت القصف للسنة الرابعة لكننا لا نرى مظاهر التضامن من الأدباء العرب ..ما مبررات هذا الصمت المخجل؟
ـ أغلب الأدباء العرب من تابعيات الأنظمة الملطخة بالدماء يؤسسون لجيوبهم ويحلمون بالجوائز النفطية ليس غير. لذا فصمتهم ليس علامة فارقة.
*لدى البعض طموحات بوجود مدرسة هايكو عربي تتطور ولها قدرة الحضور عالمياً ..هل تتفق مع هكذا طروحات؟
ـ الهايكو في اليابان شعرٌ كلاسيكي.أي إنه شبيه بالشعر الجاهلي عند العرب، لذا الشعراء العرب أحرار بما يقلّدون.
* ما الذي يجب أن نعرفه عنك قبل قراءة أعمالك؟
ـ أنني طائرُ شبيه بالعنقاء.
*هل يظهر أسعد الجبوري في أعماله أو يترك شيئا منه في نصوصه؟
ـ أنا موجودٌ في كلّ نصّ،لكن ليس بمثابة مقيم في نزل أو في فندق.