في الثورة والمقاومة … الشاه ومصدق والولايات المتحدة
منصر هدهيلي*
ثار الايرانيون سنة 1979 على الذي انقلب به الأمريكيون والأنجليز على الدكتور مصدّق بداية السنوات الخمسين من القرن الماضي. شاه ايران حضر مجدّدا بعد مرحلة مصدّق رغما عن الإيرانيين وببأس المخابرات الغربية. هذا الواقع فرض أن تكون الثورة الإيرانية برأسين وفي اتّجاهين متكاملين: اتّجاه نحو الداخل استهدافا للشاه والمحيطين به وصولا إلى دوائر المستفيدين عقودا طويلة من حكمه. اتجاه نحو الخارج ممثّلا في القوى الإقليمية والدولية المستفيدة من حكم الشاه والحريصة على أن يكون الحكم في ايران تحت السيطرة.
في الدّاخل كما في الخارج تعاملت ثورة ايران بحسم بعدا عن التردّد والإرتعاش. هذا من المفهوم والطبيعي فإصلاحية مصدّق لم تنفع الإيرانيين ومثّلت مدخلا للانقلاب ولقد كان الانقلاب على مصدّق عنيفا وداميا. مسار الايرانيين يختلف عن غيرهم في المنطقة. هندسة الثورة الايرانية خاصّة جدا وهي هندسة لا تفسّر بالمبدئية ومنظومة الأفكار بقدر ما تُفسّرُ بالتراكمات والتجارب. هذه الخصوصية لا تمنع من ملاحظة أنّ بنية العلاقات الدولية وحضور مركز هيمنة متحكّم بما يفرض تداخل محلّي وخارجي يحوّلان هندسة الثورة الايرانية إلى نموذج فعّال. نموذج فعّال لأنّه برأسين تماما كصواريخ الكورنيت التي اعتمدها حزب الله في حرب تمّوز. ليست الفاعلية في ما انطلق منه الايرانيون من مفاهيم ثقافية ودينية بقدر ما هي في تقنيتها أي في منهجها.
هناك نموذج الثورة وهناك نموذج المقاومة. المنطقة العربية عرفت منذ زرع الصهيونية عشرات الحركات المقاومة وكلّها تقريبا تحرّكت لمقارعة اسرائيل. نجحت في ذلك بأقدار محترمة من دون النجاح في الإختراق نوعيا. حزب الله مقاومة فتية نسبيا ولكن يتجلّى يوما بعد يوم أنّها أقدر الحركات بما يجعل من حزب الله نموذجا ملهما. بُذلت جهود محمومة لمنع هذا النموذج من العبور والتأثير في المقاومات الأخرى ولكنّها فشلت فشلا ذريعا بما يرشّح هذا الحزب للعب أدوار ضخمة في المحطّات القادمة.
تخرج المنطقة العربية من ربيع عربي انكشفت حدوده وتعرّت كواليسه وظهر للجميع أنّ الهيمنة عبثت به وبالآمال الضخمة التي فجّرها. هذه صدمة عربية أولى تتلوها مباشرة صدمة أخرى فها هي القدس عنوان كرامة العرب وعنوان حلمهم الجمعي تتحوّل بجرّة قلم عاصمة الشعب اليهودي. هي صدمة الثوريين العرب وهي أيضا صدمة مقاوميهم. حضّر الايرانيون لهندسة ثورتهم ومقاومتهم آخر الستينيات في ثكنات الجيش المصري وبعد وفاة جمال عبد الناصر في معسكرات جنوب لبنان الفلسطينية. عجز العرب نهاية المطاف ونجحوا هم ولكن النجاح النجاح كما يفهمونه يمرّ عبر الجغرافيا العربية فأمريكا لا تحرص كما تحرص على نفط العرب وغازهم واسرائيل تحتلّ فلسطين.
الموت لأمريكا شرط الثورة والموت لإسرائيل شرط المقاومة. فهم الايرانيون هذا ويفهمه العرب اليوم ضرورة لا اختيارا. بقطع النّظر عن مسائل الثقافة والعرق والدين والمذهب فإن الحسابات الإستراتيجية الباردة وجدل التدافع يفرضون حلفا عربيا ايرانيا واسعا قد ينجح النظام الرّسمي العربي في تعطيله لا في منعه. ومهما اجتهدت الهيمنة في التصدي لهذا الممكن الحتمي فإنّها لا تزبده إلا تعميدا. المشهد بين غزّة وبيروت وصنعاء ضخم لجهة ما يفتح عليه ولن يندم نظام الهيمنة ندما كما سيندم على كسر آمال العرب مرّة بعد مرّة والاذعان مطلقا لشهوات اسرائيل.
سنة 1979 ندم الأمريكيون ندما ما بعده ندم بسبب ما اقترفوه في حقّ مصدّق عندما انقلبوا عليه بشاه كرهه الايرانيون وكرهوا الذين انقلبوا به عليهم وعلى آمالهم. الظلم غبي لأنّه يعتقد أن مراكمة الظلم تزيده قوّة. الواقع أنّ الضعف يتسرّب ويتسلّل من ظلم غير محسوب. الله خير الحاسبين.
*المقالات تعبر عن أصحابها وليس بالضرورة عن الصباحية