كُن كبيراً فى خصومتك
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
هناك من الماكياج ما يُظهر القبحَ أكثر مما يُداريه .. فبدلاً من أن تُجَّمِلَ قائمةُ العفو الرئاسى الأخيرة واقعاً لا يُجدى معه الزيف .. طرحت من جديدٍ أسئلةً لا تموت عن الدائرة الجهنمية التى بدأت بالاتهام وانتهت بالعفو .. وما علاقة كل ذلك بتعريف العدالة .. أتَعَّجبُ ممن انزعجوا لعفو الرئيس عن بلطجى أو قاتل بأكثر من انزعاجهم لاشتمال القائمة على طالب التجارة أندرو ناصف صليب المحكوم عليه بخمس سنواتٍ بتهمة «الإعداد والترويج لارتكاب جرائم إرهابية».ضمن حملةٍ أمنيةٍ طالت العشرات من شباب الأحزاب والتيارات المدنية أثناء التحضير لما سُمِّىَ الانتخابات الرئاسية ولم يشملهم العفو .. لكن وجود أندرو بالذات فى الحبس كان دليلاً فاضحاً على عبثية الاتهامات .. فلما أراد أحدهم إزالة الفضيحة بالعفو لَفَت الأنظار أكثر .. يا تُرى كم أندرو فى السجون؟ .. إن مصر لا يضيرها تحرير مائة بلطجىٍ ففى الشوارع أضعافهم (وقد يتوبون) .. لكن العار يدمغنا واللعنة تصيبنا جميعاً إذا غُيِّب فى السجن برئٌ واحدٌ لساعةٍ واحدة .. وللأسف فإن غيابات السجون تعتصر الكثيرين من الأفاضل والشرفاء وتسحب من أعمارهم عاماً وراء عام.. ونعتاد على تغييبهم إلى أن يصيروا نسياً منسياً .. والأمر لا يقتصر على من هم داخل السجون .. وإنما يمتد خارجها إلى بيوتٍ مُغلقةٍ على عذاباتٍ مستترةٍ تعانيها عشرات الآلاف من أُسَر المعتقلين فى غيبة العائل والتحفظ على أمواله.
من السذاجة أن تتوقع أخلاق الفرسان أثناء الصراع على السلطة .. ولكن المنتصر يتحلى عادةً بحدٍ أدنى من النُبْل (ولو تمثيلاً) .. إذ لم يعد يوجد ما يبرر تجاوزه .. لكن الحاصل يتجاوز كل القِيَم المتوارثة ويبدو وكأنه حالةٌ من التشفى والإذلال الممنهج.
قال لى الصديق د. عبد المنعم أبو الفتوح قبل اعتقاله بأيامٍ (سمعت من شيوخ الجماعة الذين اعتُقِلوا فى عهد عبد الناصر رَحِمَه اللهُ ورَحِمهم أنهم لم يتعرضوا للتعذيب إلا فى فترة التحقيق التى لم تزد عن شهرين .. بعدها كان المحكوم عليهم يعيشون فى السجن حياةً عاديةً ليس فيها من السجن إلا القضبان .. يتريضون ويلتقون ببعضهم البعض ويقرأون بل ويؤلفون الكُتب .. أما الآن فالكل يعانى من الحبس الانفرادى الصارم فى انقطاعٍ كاملٍ عن الدنيا وهو وضعٌ يصيب العاقل بالجنون فما بالنا وهو مستمرٌ على مدى خمس سنوات)