محاكمة غير مسبوقة في تونس تسلط الضوء على ممارسات التعذيب

وأصغى خمسة قضاة متخصصين في مسار العدالة الانتقالية لمدة خمس ساعات، الى الشهود وأفراد عائلة كمال المطماطي، المعارض الاسلامي الذي عُذب حتى الموت في تشرين الاول/اكتوبر1991.

وروى الطبيب علي عامر العضو في حزب النهضة الذي تم توقيفه وكان شاهدا على "ثلاث أو أربع ساعات" من تعذيب المطماطي، أن رجال الشرطة "طلبوا منّا إدارة وجوهنا عرض الحائط، وشرع ثلاثة شرطيين رياض وأنور ومصطفى في ضربه بوحشية بعص غليظة".

وتابع الطبيب "قلت لهم إن لديه كسورا على مستوى يده وعليهم التوقف عن تعذيبه، لكن رئيس الفريق سمير زعتور قال +إنه يتظاهر+ وانهال عليه بنفسه ضربا بعصا حتى فقد الوعي".

واعتذر عن الاجابة على بعض الأسئلة بسبب قدم المسألة، وقال إنه تعرض للتعذيب بدوره في تلك الفترة. وقال "عندما قلت للشرطيين إنه مات، أخرجوه مباشرة من الغرفة".

وحاولت المحكمة تسليط الضوء على هذه الأحداث، وأعاد القاضي طرح أسئلة على الشهود لفهم التفاصيل، بالرغم من مرور ثلاثة عقود تقريبا وإنكار الشرطيين الواقعة بعد ان تمّ استدعاؤهم الى الجلسة.

وحتى الآن، لم يتم التطرق الى هذه الجرائم إلا في وسائل إعلامية، او في جلسات علنية لهيئة الحقيقة والكرامة التي استُحدثت في 2014 للنظر في انتهاكات لحقوق الانسان وقعت في تونس بين 1955 و2013.

-"توصيف سطحي"-

ا ف ب / ستر صورة التقطت في 29 أيار/مايو 2018 لجلسة محاكمة في قضية تعذيب وقعت في 1991، في قابس في جنوب تونس

وتقول ممثلة المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب كاميل هنري ان في القضايا المتعلقة بالتعذيب وتجاوزات الشرطة امام القضاء المتخصص في القانون العام "يوجد إجمالا الكثير من الإجراءات وقليل من النقاش المعمق"، مضيفة أن "توصيف الحيثيات يبقى سطحيا".

وتوضح مسؤولة مكتب تونس لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" آمنة القلالي انه لم يتم تجريم التعذيب الا في 1999 "ولم يكن محور اهتمام في أي قضية ولم يسع القضاة لتفكيك آلياته".

وحيا مقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين "لحظة تاريخية حقاً، بداية عصر جديد في محاربة الإفلات من العقاب في تونس"، مضيفا ان "جلسة الاستماع في قابس أمس سجلت البداية وليس نهاية" العملية.

– عنف خفيف –

وخلال جلسة المحاكمة الثلاثاء، كشفت شهادات رجال الشرطة عن وجود ثقافة عنف بتأكيدهم أنهم لم يشاهدوا سوى ضرب على الساق وصفعات، وهي أمور لا يزالون يعتبرونها مقبولة.

وقال رجل شرطة عمل في القسم الذي ضُرب فيه كمال المطماطي حتى الموت، في شهادة أدلى بها من وراء ساتر، "لم يكن هناك عنف ممنهج، كان هناك عنف خفيف لمعرفة الحقيقة".

وتقول آمنة القلالي إنه "من النادر ان نحصل خلال جلسات على شهادات متأتية من داخل الجهاز الأمني"، مضيفة أن "الإنكار وعدم الندم وابتذال العنف كلها ترسم ضمنا ملامح" نظام قمعي.

وتضيف "بالكشف عن هذه الآليات المتجذرة في ثقافة الشرطة يمكن ان نفهم أكثر وأن نعمل على اجتثاثها… بالرغم من ان الطريق لا يزال طويلا".

وتأمل المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب من خلال هذه القضية التي ستليها 30 قضية أخرى على الاقل أمام القضاء، أن يُخلق "إطار أفضل داخل القضاء" من أجل مقاضاة ممارسات التعذيب وعمليات العنف التي تقوم بها الشرطة.

وتبقى معرفة ما إذا كانت العدالة الانتقالية ستنجح في القضاء على ظاهرة الافلات من العقاب خصوصا وأن أي متهم لم يحضر جلسة الثلاثاء. كما لم يحضر أي ممثل عن المتهمين.

وصدر حتى اليوم حكم واحد في حالة تعذيب استنادا للفصل 101 مكرر من المجلة الجزائية التونسية، وقضى بالسجن مع تعليق تنفيذ العقوبة.