كتاب وآراء

مصر.. والمعجزة التشيلية

أحمد دياب*

في سنة 1973 حصل انقلاب في تشيلي بمساعدة الولايات المتحدة من الجنرال أوجوستو بينوشيه على الرئيس الاشتراكي المنتخب ديمقراطيا سلفادور الليندي… روايات بتقول ان الرئيس انتحر في القصر أثناء الانقلاب وروايات بتقول انه اتقتل. لكن اللي حصل بعد كده إن بينوشيه بدأ عصره بالتصفيات الجسدية والاعتقالات والنفي لكل اليساريين والمعارضين واللي كانوا مؤيدين للرئيس الليندي. وطبعا بعد كل المخمضة دي والحصار الاقتصادي اللي كانت عملاه الولايات المتحدة على نظام الليندي وصل اقتصاد تشيلي للحضيض، والتضخم وصل وقتها لـ 1000% . بعد لما خلص على كل المعارضين بدأ الرئيس الجديد في سنة 1975 يطبق سياسات اقتصادية تحول البلد من اشتراكية لرأسمالية، وحصل ده بمساعدة "صبية شيكاغو" وهما اقتصاديين من تشيلي درسوا الاقتصاد في أمريكا على إيد "ميلتون فريدمان" اللي حصل بعد كده في سنة 1976 على جايزة نوبل في الاقتصاد تقديرا لمجهوداته في تعليم العيال دول وغيرهم كتير من بلاد تانية، انهم في فترة قصيرة يقدروا يحولوا البلد من نظام اشتراكي لنظام رأسمالي. ومن أهم مبادئ الراجل ده إن كلما كان الاقتصاد حر وبعيد عن تدخل الحكومة فالدنيا هتبقى جميلة. وحرية السوق هنا معناها إن الحكومات تسيب الدنيا تضرب تقلب وملهاش دعوة بأي حاجة والسوق في النهاية هيظبط نفسه بنفسه.. غير طبعا لما الدنيا تخرب خالص فممكن الدولة تتدخل لإنقاذ البنوك من الإفلاس، وده بيكون عن طريق الضرايب اللي بيتحملها المواطنين.

نرجع تاني لتشيلي ونشوف "الصبية" عملوا إيه هناك: تخفيض الضرائب اللي كانت مفروضة على الشرائح العليا في المجتمع، خصخصة معظم قطاعات ومؤسسات الدولة في وقت قياسي، بيع البلد للمستثمرين المحليين والأجانب قطعة قطعة، من أول مناجم النحاس مرورا بالبنوك والمصانع والأراضي الزراعية وصولا للمدارس والجامعات والرعاية الصحية ونظام المعاشات… الخ. وتم إعادة الشركات والمصانع والأراضي اللي كان مؤممها الليندي للي كانوا بيمتلكوها، ورجعت الشركات الأمريكية والشركات متعددة القوميات اللي كان طاردها الليندي تشتغل تاني في تشيلي، وكمان بدأ تَدخل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بقوة في السياسات الاقتصادية التشيليه .. طبعا كل التغييرات دي حصلت بسرعة رهيبة عملا بمقولة الأخ مليتون الخالدة: "سيكون أمام الإدارة الجديدة القادمة مهلة زمنية من ستة شهور إلى تسعة شهور حتى تُحقق تغييرات كبيرة. وفي حال لم تنتهز الفرصة كي تتصرف بحزم من خلال تلك الفترة، فإنها تكون قد ضيعت فرصتها الوحيدة"… لأنه بيؤمن بإن: "الأزمة وحدها هي التي تُحدِث التغيير الحقيقي،… فعند حدوث الأزمة (تكون) وظيفتنا الأساسية هي: أن نطور بدائل للسياسات الموجودة وأن نُبقي (تلك البدائل) حية ومتوفرة، إلى حين يتحول ما كان مستحيل في السياسة إلى حتمية سياسية".

وبعد كل الطحن ده طبعا قلت قيمة الأجور وقل الدعم اللي كان بيمنح للأسر من سنة 1970 ل1988 للربع تقريبا. وفي نفس الفترة دي انخفضت الميزانيات المخصصة للتعليم والصحة والإسكان لأكتر من 20% ، وطبعا في خلال كل ده الأسعار كانت بتزيد بشكل جنوني.. المهم إن في نهاية حكم بينوشي الإعلام الأمريكي والدولي سمى اللي حصل ده إصلاح اقتصادي، علشان بقى فيه نمو اقتصادي، وبعض المتحمسين زودوها حبتين وسموها "المعجزة التشيليه".. مع إقرار الجميع بإن من سنة 1974 لسنة 1988 ارتفع الدين الخارجي 300%. والأهم من كل ده إن النمو الاقتصادي اللي حصل انعكس بس على الـ10% الأغنى في المجتمع اللي زادت دخولهم تقريبا للضعف من منتصف السبعينيات لحد نهاية الثمانينات، في حين إن حوالي نص الشعب التشيلي الشقيق نزلوا تحت خط الفقر.. لكن مش مشكلة المهم إن العملية نجحت وحصل النمو الااقتصادي المطلوب.

طبعا دولة زي مصر دلوقتي ومن قبل أي اصلاحات فيها 50% تحت خط الفقر، فالمتوقع إن بعد لما "الإصلاح" الاقتصادي يتم، والاقتصاد ينمو بالنسب المطلوبة وتتحقق المعجزة الاقتصادية المصرية، ساعتها هيبقى 99% من الشعب تحت خط الفقر.. والـ 1% الأغنى هيتضاعف دخلهم… مش مهم مين اللي هيبقى تحت خط الفقر ولا مين اللي هيموت من الجوع، المهم الاصلاح الاقتصادي ينجح.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى