كتاب وآراء

ما بعد نظام المحاصصة وحكومات الثرثرة

صادق الحسناوي*

عملياً، وبحكم الواقع، انتهى نظام المحاصصة الطائفية، وبانتهائه رسمياً سيسدل الستار على ما تفرع عنه من محاصصات ثانوية حزبية واثنية، ولم يعد هذا النظام قابلاً للبقاء، لافتقاره لمقومات البقاء بعدما تمادى في إثراء أدواته، وافقار الشعب ايما افقار، ولم يعد يعني شيئاً للشيعة، ان يكون الحاكم شيعياً، ولا اظن ان غيرهم يخالفهم في الموقف، فقد انتجت المحاصصة خراباً ما بعده خراب للدين وللوطن وللانسان، والحسنة الوحيدة التي نتجت عن هذا النظام، هي خطيئة الانقسام على اساس الجماعة او الطائفة، لان الشعب بمجموعه سيكون ضحية من يدعي تمثيله، وما نتمناه ان تكون التجربة العراقية هي الدرس الاخير لكل من يراهن على نظام سياسي ارضعته امريكا، ونما في حواضنها، وها هي اليوم تجني ثمار رضاعتها وحضانتها، وتنجح في القضاء على التنظيمات الاسلامية التي حلم الجيل المؤسس لها بانها ستحمل راية العدالة الاجتماعية، وتقضي على الطغيان، وتشيع المحبة بين الناس، واذا بها تتحول الى مطية تمتطيها امريكا، واذا بها تستعين بخميرة البعث المنهار، وطاغيته المقبور، وتستعير ذات الاسلوب في الحكم، وذات المنهج القمعي، وذات الغرور واوهام القوة.

صدام عليه اللعنة والعذاب لم تحمه قصوره ولا اسلحته، ولاربطه لمصير اكبر عدد ممكن من الناس بمصيره، وانهار باسرع مما هو متوقع، وظهر على شاشات التلفزة كجرذٍ بين مجموعة قطط! ، نجحت امريكا في ترويض معارضي صدام السابقين، واعارتهم مخالبه، وشكلت منهم مجلس الحكم سيئ الصيت الذي نتج عنه فيما بعد نظام المحاصصة والثرثرة واللصوصية، باقبح صورها وباحط مستوياتها، ولم يكن تقهقر الحالة الاجتماعية في العراق الا نتيجة طبيعية لانشغال ساسة البلاد باصطياد الثروة، واكتنازها، والاعراض عن مطالب الشعب بخطاب تخويفي، يحذر من عودة البعث والبعثيين الى حكم العراق رغم ان البعثيين انضموا الى اغلب الاحزاب الحاكمة، وانصهروا في عجينتها!

اعلامياً : سقطت الحكومات المتعاقبة في ( الغبلزة) واعني اسلوب غوبلز وزير دعاية هتلر الذي اشتهر عنه قوله (اكذب، اكذب، اكذب حتى يصدقك الناس) ووصل الحال الى ان يدير شاغل ارفع موقع سياسي في البلاد شبكات عنكبوتية تمول من خزينة الدولة، هدفها تسقيط خصومه واختلاق الاكاذيب، والصاق مختلف الصفات المشينة بمن يعارض، وتحولت منابر الفضائيات الى كوميديا مجانية، يشاهدها المواطن كل يوم على رغم انفه! وتفننت الاحزاب في اشاعة خطاب الكراهية، والتعصب عبر قنواتها الاعلامية، ومحاصرة الاعلام الوطني الذي يغرد خارج الخطاب الطائفي والاثني، كما يجري مع كل خطوة يخطوها العراقي الشجاع المقاوم السيد مقتدى الصدر (دام عزه).

اما اقتصاديا: فقد توقفت المصانع والمعامل والشركات الحكومية، وعاد العراق دولة مستوردة تسورد المشتقات النفطية، والمناديل الورقية، والماء، والعصائر، والادوية، ومواد البناء، والفواكه، والخضر، والملابس، لا سيّما الكاشفة عن مواضع الاثارة، والخادشة للحياء، وتوقفت في العراق حتى الحرف اليدوية، والصناعات الحرفية التراثية، لينتعش الغناء، ودور الرقص، ومولات الاستهلاك، وسوق الكومشن (العمولات بالنسبة)، والرشوة، وبيع الجسد، والمتاجرة بالبشر، والحشيش والمخدرات، وتهريب العملة عبر شركات غسيل الاموال التي تعمل تحت يافطات انسانية او تجارية، وربما تحت عناوين رياضية ودينية ايضاً ! والاخطر من كل ذلك، تحويل الاسلام الى ماركة تجارية بامتياز، وهو حديث طويل ساتفرغ لايضاحه باذن الله تعالى ان بقيت الحياة، ولان الحديث يطول فساكتفي بالتساؤل:

ماذا بعد انهيار نظام الثرثرة ؟

هل سيلفظ الدستور الملغوم انفاسه؟

ساحتمل الغاء الدستور او تعديله، وفي حالة حصول ذلك، سيسارع الساسة الكرد الى رفض التعديل، والتلويح بالانفصال، لانهم لا يريدون العيش في ظل نظام غير فدرالي، وسيعتبرون الحقبة من 2003 الى حين الغاء الدستور على سبيل الفرض حقبة مظلمة ايضاً، حُرِم الاقليم خلالها من استحقاقاته!  ومثلهم سيصرخ ساسة المذاهب، فتسارع ام الخراب وراس الشر امريكا لطرح مشروعها الذي جاءت تبشر به، وهو التقسيم الذي سيكون حلاً وخياراً وطنياً!!! مثلما كان حلاً في يوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا والسودان! انها امريكا يا شعب، ويجب اخذ العدة لمواجهة ما تعده هي، وليس ساسة البلاد، فهؤلاء ليسوا سوى لافتة عراقية لقبعة العم سام، وادارته البيضاوية.

 

*رجل دين وناشط سياسي محسوب على التيار الصدري

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى