كتاب وآراء

غزو الكويت ، غباء تحت (بيرية) الرئيس!

غزو الكويت ، غباء تحت (بيرية) الرئيس!

الشيخ صادق الحسناوي*
التقط الرئيس الراحل اشارة في غير محلها من سفيرة اميريكا في العراق واعتبر تلك الاشارة الشفوية ضوء اخضر اميريكي على دخول الكويت والاستحواذ علىها وضمها الى العراق ! كان الغباء متمثلاً تلك اللحظة في هيئة رئيس الدولة ! الرسالة كانت شفوية وفي لقاء بين رئيس دولة وسفيرة دولة اخرى في العراق لكنها ليست كأي سفير ، انها سفيرة اميريكا ! اميريكا التي رات في صدام الرجل القادر على اعاقة الثورة الايرانية التي القت تواً بعرش الشاه خارج السلطة والقرار فدعمته بقروض مالية كبيرة استغلها لانشاء ترسانة هائلة من السلاح وتدريب جيش يضم اكثر من مليون جندي كانوا ادواته في حرب الثماني سنوات بينه وهو يقاتل ( نيابةً عن التاريخ لكي ينهض العرب ) -وتلك عبارة اخذت محلها حتى على الدفاتر المدرسية واغلفة الكتب -!وبين ايران المتطلعة لاستعادة هويتها الاسلامية وقلب المعادلة السياسية القائمة في الشرق الاوسط فيما بعد بظهور قوة لاشرقية ولاغربية تستند الى ارادة القوة الايديولوجية والشعبية لتكتب استقلالها عن اي من المعسكرين ، وارتضى صدام تلك الحرب للدفاع عن البوابة الشرقية للامة العربية كما عبر في خطاباته وفي طريقه لتلك الحرب اطاح بالرئيس السابق احمد حسن البكر وبكبار رفاقه من ( الرفاق) متهما اياهم بالتآمر من اجل الوحدة مع سوريا ! وتلك مؤامرة لايدريها المتآمرون ! لكني الآن اتساءل على فرض صحة رواية المؤامرة ، هل ان العمل من اجل الوحدة العربية (مؤامرة وخيانة) يعاقب مرتكبها بالاعدام ؟! واين هذه العقوبات من شعار( امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)!؟ فلماذا يعدم الرفاق وهم ينفذون شعار حزبهم ؟! ويسعون لتحقيقه ؟! ان ثمة خللٍ ما في الرواية آلى الرئيس ان يظل لغزاً لكنه لغز لم يصمد امام المنطق ، لقد قتل الرئيس الطاغية رفاقه ليبقى الاوحد بين جوقة الرفاق المطبلين ! وازاحهم لتخلو له الساحة ، لم يكن اولئك الرفاق حمامات سلام ولادعاة محبة ، كانوا ايضاً من تلك المنظومة القمعية الاجرامية لكنهم لم يكونوا على وفاق مع الطاغية المستبد ، هذا كل مافي الامر ، ليس بينهم رجلاً مثل تروتسكي ولا زعيماً مثل تيتو او فيدل كاسترو ، كلهم كانوا هوامش على شاطئي دجلة والفرات ! لكن مسألة الوحدة العربية تدعو للتساؤل ، لم اعدم الطاغية رفاقه ؟ ولماذا اعتبر غزوه للكويت اجراء طبيعي ضمن سياق الوحدة العربية ؟! لماذا لم يعاقب نفسه يوم اعلن الوحدة الاندماجية مع الكويت رغم ان الكويت دولة عربية مستقلة وعضو في الامم المتحدة وجامعة الدول العربية!؟
ناقض صدام نفسه بنفسه فقد اعلن في 1980 ميثاق العمل العربي وسط الجماهير المتجمهرة في ملعب الشعب الدولي انذاك وقال بلسانه بعدم جواز اللجوء الى الحرب لحل الخلافات العربية -العربية ! وفي 1990 امر جيشه بغزو الكويت وضمها الى العراق بعد تشكيل حكومة مؤقتة من ضباط كويتين غُلِبوا على امرهم وفقدوا ارادتهم ومن ثم بعد 72 ساعة اعلنت بغداد الوحدة الاندماجية مع الكويت بناءً على طلب الحكومة الكويتية والشعب الكويتي ، ومما يحسب للحكومة الكويتية انها طوت صفحة العقيد علاء حسين علي وزملاءه واعتبرت ماقاموا به خارج عن ارادتهم بعدما اختاروا العودة الى الكويت وتسليم انفسهم للسلطة الكويتية الشرعية .
لقد اطاح الطاغية الراحل بالمشروع العربي القومي عندما تكفل باسقاطه عملياً واظهر انه خطاب مخادع وفضفاض وليس سوى شعاراً لزعامات تتخذ من القومية ذريعة لها تحت تاثير بسمارك وهتلر وغيرهم لكنه العودة الى القومية بعد تجاوزها الى عصر الدولة الوطنية ليس الا ضرباً من الغباء ،وقد كان الرئيس غبياً !، غبياً هو وجنرالاته واجهزته القمعية والاستخبارية ،وقد سجل غبائهم لاول مرة في التاريخ هزيمة جيش بري بقصف جوي !! وقد كان لهذا الغباء اثره الكبير في افراغ القوة وتدمير العراق وتحقيق الحلم الاميريكي بالهيمنة على المياه الدافئة والاقامة قرب منابع النفط والطاقة ،وهو قرار اعتبره ايضاً ( اريك دورتشميد) في كتابه (دور الصدفة والغباء في تغيير مجرى التاريخ ، العامل الحاسم) من القرارات الغبية في اواخر القرن العشرين التي ساهمت في تغيير مجرى التاريخ ، لقد احتل صدام وحزبه دولة الكويت الشقيقة وليس هذا قرار الشعب العراقي ولاالمعبر عن ارادته وبين الشعبين الشقيقين علاقة ( العم والخال ) كما يعبرون في الكلام الدارج ( عمك خالك)، وفتح صدام الافاق واسعة للتعبير عن بدائيته وكشف عن عقدته المرضية المتطلعة للاستيلاء والاستحواذ على كل شيء وهي عقدة ملازمة للاعراب ومنعدمي الثقافة والتحضر وباعلانه ( الوحدة الاندماجية ) وفر ايضا الجهد على من يخلفه فقد اتاح لهم الاندماج وفق ماسموه قانون الدمج فاندمجت الدولة العراقية بخرابها مثلما تلبس الفاسدون والاغبياء ثياب القادة رغم ان رؤوسهم لاتختلف عما تحت بيرية الرئيس الطاغية من غباء وجهل مركب .

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى