كتاب وآراء

حقيقة الالتزام الديني في تركيا في ظل الحزب الحاكم برئاسة اردوغان

الدين في تركيا:
________

احمد دياب*

يحاول بعض المتحمسين لتركيا تأييد نظامها الحالي من منطلق ديني ومذهبي. فبعد أن يفشلوا في إنكار أن التقدم الاقتصادي التركي المزعوم أو التوزيع العادل للثروة والدخل في تركيا مجرد خدعة في ظل حزب العدالة والتنمية، تجدهم يقولون: كل هذا غير مهم، ويكفي أن تركيا دولة "إسلامية"، وقد يضيف آخرون: "سُنية".

وسنحاول في السطور التالية مناقشة سؤال: هل تختلف تركيا كثيرا من النواحي الدينية عن البلدان الأخرى؟

في البداية يجب أن نذكر أن البنوك الربوية هي المنتشرة في تركيا، والدعارة مقننة هناك، وتدفع فتيات الهوى الضرائب بانتظام للحكومة التركية نظير السماح لهن ببيع أجسادهن لراغبي المتعة المحرمة دينيا. كما أن ممارسة الجنس بين غير المتزوجين غير مجرمة، وكذلك اللواط والسحاق وفقا للمسمى الديني، (أو الشذوذ الجنسي وفقا للمسمى الرافض لتلك الممارسة، أو المثلية الجنسية وفقا للمسمى المحايد)، فلا توجد قوانين لمنعهما أو معاقبة فاعليهما المعاقبة التي ينص عليها الدين الإسلامي، بل إن نوادي القمار منتشرة كما لو كنت في لاس فيجاس. وطبعا مصانع ومحال بيع الخمور منتشرة كما هو الحال في أية دولة لا تتبع أية ديانة.

أما بسطاء الناس ممن يعتبرون أن مجرد السماح للنساء بارتداء غطاء الرأس في المؤسسات الحكومية هو إنجازا لذلك الحزب، ونصرة للإسلام والمسلمين وأن ذلك يكفي بالنسبة لهم لتوضيح أن الحزب يعمل لصالح الإسلام والمسلمين، فلعلهم قد يتفاجأون عندما يعرفون أن عدد نائبات حزب العدالة والتنمية اللائي ارتدين غطاء الرأس بعد نفاذ القانون عام 2013 لم يزد عن 4 نائبات من أصل ما يزيد عن 40 نائبة المنتميات لحزب العدالة والتنمية.
http://www.bbc.com/news/world-europe-24761548

وهنا تقفز إلى الذهن عدة أسئلة منطقية تبحث عن إجابة: لو تم اعتبار سن ذلك القانون انتصارا للإسلام – كما يرى البعض – فإن هذا يعني أن غطاء الرأس للنساء هو من أساسيات الإسلام التي يجب الدفاع عنها وتطبيقها. وإن كانت فقط أقل من 10% من نساء الحزب الذي يدعي الانتصار للإسلام هن من التزمن بتنفيذ أحد "أساسيات الإسلام"، في حكومة لم تعد تضيق على مرتديات غطاء الرأس – بل أنه أصبح من المستحب ارتدائه – نجد أن الغالبية العظمى من نائبات الحزب – المنوط بهن أن ينتصرن للإسلام وأن يكن قدوه لغيرهن من النساء – ، تأبين أن تلتزمن بالـ "زي الإسلامي"، فلمن إذن انتصر الحزب؟! ولمن سُن القانون؟! ولو كان تطبيق ذلك القانون هو الانتصار الإسلامي لحزب العدالة والتنمية وأن غطاء الرأس هو المعبر عن الإسلام، فماذا نعتبر الغالبية الساحقة من نائبات الحزب المفترض أنه يدافع عن الإسلام ضد العلمانية؟! وإذا كن تلك النساء يعتبرن أن ارتداء غطاء الرأس هو حرية شخصية وليس من ثوابت الدين المفروضة على المرأة المسلمة، فإن ذلك يعد ردا قاسيا على من هللوا لذلك القانون.

إذن لماذا سنت حكومة حزب العدالة والتنمية مثل هذا القانون طالما أن الغالبية الكاسحة من رجاله ونسائه لا تعتبر غطاء الرأس فرضا دينيا، وبخاصة عندما لا ترتدينه النساء اللائي من المفترض أنهن صفوة من يدافعن عن الإسلام في البرلمان التركي؟! 
السبب الأول: هو مجرد المزايدة ودغدغة مشاعر بعض الساذجين، وجمع الأصوات الانتخابية لعامة الناس مستغلين عواطفهم الدينية. 
السبب الثاني: هو في الحقيقة أن الأمر لا يخص الإسلام أو الانتصار له من قريب أو بعيد، فمع أن ذلك الأمر قد ألهب حماس العامة من البسطاء في مختلف البلاد العربية، إلا أن سن مثل ذلك القانون كان في إطار سعي تركيا منذ سنوات طويلة للانضمام للاتحاد الأوروبي فالسائد في أوروبا الآن هو الدفاع عن حقوق الإنسان ومنها حقوق المرأة في ارتداء ما ترغب طالما كان ذلك لا يلحق الضرر بالآخرين. 
http://www.hrw.org/…/files/reports/germany0209_webwcover.pdf

والسائد رفضه في الدول الأوروبية ليس تغطية الرأس، وإنما هو تغطية الوجه وذلك لأسباب أمنية، أما رفض غطاء الرأس فيتم في نطاق ضيق داخل بعض المؤسسات أو في بعض المناطق في بعض الدول، ويتم وفقا لآليات "الديمقراطية" الغربية التي تأخذ برأي الأغلبية. وتقوم منظمات حقوق الإنسان الأوروبية دائما بانتقاد قرارات منع ارتداء غطاء الرأس.
http://www.bbc.com/news/world-europe-13038095

وطبقا لذلك فإن القرار التركي لم يتحدى مثلا الإرادة الأوروبية، بل إنه يتوافق مع قوانين الاتحاد الأوروبي بصفة عامة والتي تناهض التمييز، وتنادي بالحرية – ومن ضمنها حرية الفرد في ارتداء ما يريد – وهذا ما استند إليه القانون التركي عند سن القانون، حيث أنه لا يخالف قوانين مناهضة التمييز الأوروبية، بل أن القوانين التركية العلمانية شديدة التطرف هي التي كانت تمنع النساء تماما من ارتداء غطاء الرأس في جميع المؤسسات، وهذا الأمر لم يكن له مثيل في أي دولة أوروبية. ويتساءل أردوغان نفسه قبل أن يتولى رئاسة الوزراء "يمتلك الإنسان الأوروبي حرية الاعتقاد، في أوروبا يوجد احترام للعبادة، لارتداء غطاء الرأس، لماذا هذا غير موجود في تركيا؟" 
http://www.hurriyetdailynews.com/default.aspx…

أما عن أن حزب العدالة والتنمية هو حزب إسلامي، فتلك مغالطة أخرى، حيث أن نشأة حزب العدالة والتنمية كانت بعد انشقاق عبدالله جول ورجب طيب أردوغان عن حزب الرفاه الإسلامي لتكوين حزب علماني ليس له أجندة إسلامية. وهذا طبقا لمؤسسي الحزب أنفسهم.
http://www.britannica.com/…/Justice-and-Development-Party-p…

وليس أدل على ذلك غير مقولة أردوغان في عام 2011 بالصوت والصورة أنه رئيس مسلم (وهذا شيء يخصه هو فقط على حد قوله) لدولة تركيا العلمانية، التي تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان.
https://www.youtube.com/watch?v=N9Jx-hpEVWE

مما يعني أن الدولة التركية لا ترجح دينا معينا يجب أن يعتنقه أبناؤها ولا تتبنى أي تشريع لأي دين يجب أن يتم سَنه في قوانينها. أي أن تركيا هي دولة علمانية وفقا للمفهوم الغربي للمصطلح.

ولا ندري لماذا يُحمِّل البعض الأمور أكثر مما تحتمل، ويدعي أن الحزب إسلامي، على الرغم من أن مؤسسيه لم يقولوا بذلك، بل وأجندتهم ليس فيها ما يدل على ذلك، بل وبعد سنوات طويلة من العمل علي أرض الواقع لا يوجد ما يشير إلى كون الحزب إسلامي من الأساس. ولعل ذلك كان سبب خلاف نجم الدين أربكان مؤسس حزب الرفاة الإسلامي ورئيس وزراء تركيا الأسبق وأستاذ أردوغان، حيث وصف أربكان تلميذيه أردوغان وعبدالله جول بأنهما "وكلاء في أيدي المؤامرة الصهيونية… على الرغم من عدم معرفتهما بأنهما يخدمان المصالح الإسرائيلية"، كما وصف موقف أردوغان أمام رئيس وزراء إسرائيل في مؤتمر دافوس عام 2010 بأنه مجرد "نفاق"، لأن ذلك لم يغير من "موافقة حكومة أردوغان على عقود بمليارات الدولارات مع الشركات الإسرائيلية كالمعتاد". 
http://www.todayszaman.com/national_erbakan-criticizes-isra…

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى