“ادفع دينارين واكسب الدارين”: مبادرة كويتية علمت آلاف الفتيات حول العالم
لم يخطر ببال سمية الميمني، التي كتبت مقالا في مجلة جامعتها في الكويت عام 2007، تساءلت فيه ما الذي يمكن أن يحدث إن تبرع كل من زملائها بدينارين كويتيين (نحو 6.6 دولار أمريكي) شهريا بهدف مكافحة الأمية، أن الجواب سيكون افتتاح 13 مدرسة خلال عقد من الزمن.
كان كل ما أرادته في المقال أن تعبر عما كان يشغل بالها حينها، لكنها اليوم تعود مع فريق من المتطوعين من قيرغستان، في آسيا الوسطى، بعد أن وضعوا حجر الأساس للمدرسة رقم 13 المقرر بناؤها بفضل تلك المبادرة التي طرحت فكرتها قبل أكثر من 10 سنوات.
تتذكر سمية مدى الشعبية التي حظيت بها مقالتها، والإيجابية التي أبداها زملاؤها بعد قراءتها، لكنها لم تتعامل مع فكرتها بجدية إلا بعد عامين حين عرضتها على جمعية خيرية وافقت على تبنيها فبدأ العمل بجدية لتحقق ما كانت تفكر به.
شراكة مشروطة
تخرجت سمية، وهي الآن في الثلاثينيات من عمرها، من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية لذا اختارت عرض فكرتها على جمعية خيرية إسلامية في الكويت تعرف بأنها "مستقلة وغير متحزبة"، لكن إقناعهم لم يكن سهلا.
توضح سمية أنه في ذاك الوقت كانت الجمعيات الخيرية تلتمس دعم التجار الأثرياء ورجال الأعمال، خاصة بسبب غياب وجود الشباب ضمن الجمعيات في ذاك الوقت. لذا ركزت سمية على فكرتها الجديدة التي اقترحت مصدرا جديدا لجمع التبرعات وهو الحصول على كميات قليلة من المال من فئة الطلاب الشباب.
كما أنها أقنعت الجمعية بأن التبرع سيطرح مفهوما جديدا – لا يقتصر على جمع المال فقط – وإنما إشراك فئة الشباب كأعضاء فاعلين في المجتمع.
وافقت الجمعية على فكرتها لكنها وضعت شروطا لذلك. كان على سمية ترك عملها في القطاع الخاص والتفرغ لقيادة المبادرة والعمل ضمن الجمعية – الأمر الذي كان يعني ساعات عمل أطول وراتبا أقل.
تقول سمية: "إيماني بالفكرة منحني الشجاعة لاتخاذ مثل هذا القرار".
وتضيف: "كانت الشراكة مفيدة لكلا الطرفين – فالمبادرة ساعدت على إشراك عدد أكبر من الشباب في عمل الجمعية، وفي المقابل أمّنت الجمعية الاحتياجات الإدارية وتكاليف التسويق".
وتوضح أن الجمعية لا تدفع مالا لإنشاء المدارس، بل إن كل المال يأتي عن طريق التطوع.
عمل جماعي
لم يكن موضوع الأمية ما كان يشغل بال سمية على وجه التحديد في بداية الأمر، لكنها كانت تبحث عن فكرة تستطيع من خلالها العمل مع فريق.
"كنت أسعى لفكرة أعمل عليها مع مجموعة وليس لوحدي، لأنه كان عندي – ولايزال – يقين بأن العمل الجماعي هو الأفضل دائما وأبدا، حتى وإن كان صاحب الفكرة شخص واحد".
في السنوات الأولى من إطلاق المبادرة لم تكن فكرة سفر شباب وشابات معا إلى مناطق نائية في أنحاء العالم مقبولة في المجتمع الكويتي.
تتذكر سمية مدى صعوبة إقناع الناس للموافقة على رحلة الفريق الأولى عام 2011 والتي تضمنت ثلاث رحلات للوصول إلى مقاطعة في الصين حيث كان يتم إنشاء المدرسة الأولى.
لكن نجاح تلك الرحلة، كما تقول سمية، جعل الرحلات التالية أسهل خاصة بسبب ارتفاع عدد المتطوعين الشباب وازدياد الوعي بإنجازاتهم.
واليوم يبلغ عدد المتطوعين 55 شابا وشابة كويتيين.
ما أنجزته المبادرة حتى اليوم هو "افتتاح 13 مدرسة للبنات افتتحت في كل من الصين، وأندونيسيا، والسودان، وألبانيا، والهند، وصربيا، والنيجر، وقيرغستان".
ويصل عدد الفتيات المستفيدات من هذه المدارس إلى" 4000 طالبة كل عام"، وجميعهن لم يكن قادرات على مواصلة التعليم بسبب ظروف أسرهن الاقتصادية، كما تقول.
ما تقوم به سمية وفريقها يعتمد بشكل رئيسي على جهد شبكة دعم كبيرة؛ فأعضاء الفريق لم يترددوا في إنشاء المشاريع في بلدان لا يتقنون لغتها.
وفي بعض المدن تمكنوا من افتتاح مكاتب صغيرة، وفي مدن أخرى يتعاونون مع جمعيات ذات سمعة جيدة وحاصلة على ترخيص عمل من وزارة الخارجية الكويتية.
تقول سمية إن زيارتها الأخيرة لقيرغستان – حيث افتتح الفريق رابع مدرسة للبنات – "كانت تجربة لا تنسى".
وفقا لمنظمة اليونيسف التابعة للأمم المتحدة فإن أكثر من 32 بالمئة من أطفال البلد (أي ما يعادل نحو 750,000 طفلا) يعيشون ظروف الفقر.
كما تقول سمية إن بعض الأطفال غير قادرين على الحصول على التعليم بسبب نقص عدد المدارس القريبة من بيوتهم – حيث أن المسافة التي ينبغي على الأطفال مشيها أحيانا قد تصل إلى 5 كيلومترات. وتصبح هذه الرحلة أصعب في الشتاء بسبب الثلج وقسوة الطقس.
لذا كان الإعلان عن تأسيس المدرسة الرابعة في قيرغستان "لحظة فرح" تقاسمها المتطوعون الكويتيون مع سكان القرية.
القوة في "البساطة"
تقول سمية إن عوامل كثيرة ساهمت في إنجاح مبادرتها؛ على رأسها "بساطة" فكرتها: ادفع دينارين كويتيين وحارب الأمية؛ فالمبلغ المتواضع – لكن المنتظم – سمح للفريق بالتوجه لطلاب المدارس الإعدادية وطلاب الجامعات الذين غالبا ما يكونون "متحمسين للأفكار الجديدة" للمشاركة.
كما تضيف أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورا جوهريا في مشروعها، فهي تشعر أن "التفاعل مع الأشخاص بطريقة مبتكرة كان مهما جدا".
وتعتبر أن احتضان المبادرة من قبل جمعية معروفة وذات مصداقية كان عاملا آخر دعم فكرتها.
تقول سمية إنها تستطيع أن تؤلف كتابا في الأشياء التي تعلمتها من هذا المشروع، لكن "المخاطرة" تأتي على رأس قائمة ما تعلمته.
"لا تخف من شيء إن كنت على حق. غامر لمساعدة الآخرين"، تضيف سمية.