أسر ضحايا قصف حافلة مدرسية باليمن “محبطون من رد الفعل الدولي”
نفذت قوات التحالف بقيادة السعودية في اليمن غارة جوية قبل نحو شهر استهدفت حافلة مدرسية، وأسفرت عن مقتل نحو 29 طفلا، وهو ما أثار إدانات دولية واسعة النطاق.
واعترف التحالف، الذي يدعم الحكومة اليمنية في حربها ضد الحوثيين، بارتكاب "أخطاء" وتعهد "بمعاقبة" المسؤولين.
وطالبت القوى الغربية التحالف باتخاذ خطوات مدروسة لحماية المدنيين.
لكن الأمر بالنسبة لأسر الضحايا المكلومين، لم يخفف من وطأة خسارتهم.
مأساة الصباح
وقع الحادث في صباح يوم التاسع من أغسطس/آب الماضي، وكان الطبيب علي الطايفي قد أنهى عمله في غرفة العمليات قبل شروق شمس ذلك اليوم.
وبوصفه رئيس جراحي الوجه والكفين في مستشفى الطلح في مدينة صعدة الخاضعة لسيطرة المتمردين، كان الطايفي يعمل نوبة ليلية ويستعد إلى الذهاب إلى منزله.
كانت حركة السوق في بلدة ضحيان، التي تقع على بعد 20 كيلومترا إلى الشمال، نشيطة بالفعل، مع وصول التجار وأصحاب الأعمال لممارسة نشاطهم.
وفي غضون ذلك، كان زيد حسين طيب يتناول إفطاره مع أسرته في منزله القريب من المكان.
واستعد ثلاثة من أبنائه الخمسة للخروج في رحلة بمناسبة انتهاء فصول صيفية لتحفيظ القرآن، لكن طيب تردد في السماح لهم بالخروج مع مجموعة كبيرة من الأطفال.
وقال :"ننتظر ونتوقع ضربة جوية في أي وقت، في السوق، في المسجد، في المدرسة، في أي تجمع، في احتفال زفاف، في مراسم جنازة".
وتتعرض محافظة صعدة، معقل الحوثيين، لقصف شديد على نحو خاص تشنه قوات التحالف منذ التدخل في الصراع في مارس/آذار 2015.
وقد كانت غارات التحالف سببا في سقوط معظم الضحايا المدنيين البالغ عددهم 17223 شخصا – من بينهم 6660 قتيلا و 10563 مصابا – وفقا لتقديرات الأمم المتحدة.
وسمح طيب، على الرغم من الخطر، لأبنائه يوسف ( 14 عاما) وأحمد (11 عاما) وعلي (9 أعوام)، بالذهاب إلى الرحلة.
وأظهر فيديو مصور بهاتف محمول أن الحافلة كانت مكتظة بتلاميذ في حالة معنوية عالية.
وشوهد التلاميذ وهم يرتلون آيات قرآنية مع معلم في خيمة وفي "حديقة الشهداء" التي دفن فيها الكثير من ضحايا الحرب.
"ألم لا يوصف"
وفي حوالي الساعة 8:20 صباحا كان الطيب ينتظر زميلا له بالقرب من السوق عندما توقفت الحافلة التي تقل الأطفال على مقربة من المكان.
وقال شهود عيان إن السائق توقف لشراء مشروبات ومأكولات سريعة للأطفال.
ولم يكن هناك وقت لملاحظة دوي الطائرات فوق الرؤوس قبل القصف.
أُصيب طيب بصدمة وذعر مع اقترابه من موقع الحادث. وقال : "شعرت بألم، ألم، ألم لا يوصف".
وبدأ يبحث عن أولاده، ورفع جثة طفل فارق الحياة، كانت حقيبة الظهر الزرقاء التي تحمل شعار اليونسيف لاتزال على ظهره. وعندما أدار وجه الصبي تبين أنه ابنه أحمد.
وعثر على يوسف ووضع جثته على رصيف قريب من جثة شقيقه في الوقت الذي اتصلت فيه زوجته يائسة لمعرفة أين أطفالها.
وعندما أبلغها بما وقع، قائلا إن ابنه علي لايزال مفقودا، ناشدته ألا يعود إلى المنزل إلا بعد عثوره على طفلهما.
ضحايا صغار
نُقل ضحايا الهجوم إلى المستشفى بسرعة جعلت الطبيب علي الطايفي غير قادر على السؤال لمعرفة ما حدث.
واندهش من سن الضحايا بمجرد رؤيتهم.
كان الطايفي حتى يناير/كانون الثاني الماضي يعمل في أحد المستشفيات الرئيسية في العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة المتمردين، وشاهد ضحايا هجمات كثيرة أسفرت عن عدد كبير من الضحايا.
لكنه قال إن المشاهد التي أعقبت هجوم بلدة ضحيان كانت أشد ما شاهده حتى الآن.
وقالت وزارة الصحة الخاضعة لإدارة الحوثيين إن 40 طفلا و11 شخصا بالغا قُتلوا في الهجوم، فضلا عن إصابة 79 آخرين، من بينهم 56 طفلا.
وأكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر استقبال مستشفى الطلح جثث 29 طفلا.
وسجلت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أسماء وأعمار وحال 34 قتيلا، من بينهم 25 طفلا وثلاثة معلمين كانوا في الحافلة، ومعلم ورجلان آخران كانوا يقفون في السوق.
"هدف مشروع"
وأصر التحالف في البداية، على الرغم من أعمار الضحايا، على أن الضربة كانت "عملا عسكريا مشروعا، نُفذ وفقا للقانون الإنساني الدولي وقواعده المتعارف عليها".
معلمو تحفيظ قرآن
ورفض محمد حجر، وهو مسؤول بوزارة الصحة الخاضعة لإدارة الحوثيين، مزاعم التحالف القائلة بأن الأطفال يُستخدمون كدروع بشرية، وقال "يستحيل" أن يوجد مقاتلون على متن الحافلة.
وأضافت وزارة التعليم الخاضعة لإدارة الحوثيين أن محمد ستين معلم في مدرسة لتحفيظ القرآن يبلغ من العمر 28 عاما، وهو ما أكده آباء تحدثوا إلى بي بي سي وأطفال أجرت معهم منظمة "هيومن رايتس ووتش" مقابلات.
كما ذكرت الوزارة معلما يدعى علي حسين العجري، قال شقيقه يحى العجري إنه أب لثلاثة أطفال ويبلغ من العمر 27 عاما تطوع للعمل يوميا في مدرسة تحفيظ القرآن بعد انتهاء نوبة عمله في متجر يمتلكه.
واندهش يحى من سماع مزاعم التحالف، وقال : "إنه شقيقي وأعرفه، لم يمسك سلاحا على الإطلاق. حتى لم يحمل خنجر جنبية".
وقال الطايفي وعباس المتوكل، رئيس غرفة الطوارئ في مستشفى صعدة الجمهوري، إنه لم يكن بين الضحايا مقاتلون يتلقون العلاج.
قوانين الحرب
شدد التحالف، بعد تحقيقات الفريق المشترك لتقييم الحوادث، على أنه لايزال ملتزما بالقانون الدولي وأن قواعده للاشتباك تُطبق "وفقا لأعلى المعايير والممارسات الدولية" للحفاظ على أرواح وممتلكات المدنيين".
بيد أن خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة قبل أيام قالوا إن هناك أسبابا معقولة تدعو إلى الاعتقاد بأن أفرادا في التحالف "ربما نفذوا هجمات تنتهك مبادئ التمييز وتناسب القوى والاحتياط على نحو قد يرقى إلى جرائم حرب".
واستشهدوا بضربات جوية استهدفت مناطق سكنية وأسواق ومراسم دفن وحفلات زفاف ومعتقلات وزوارق مدنيين ومنشآت طبية.
وأشارت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها بشأن الضربة الجوية في ضحيان إلى أنه بموجب قوانين الحرب، يجب على جميع الأطراف "بذل كل جهد ممكن للتحقق من أن الأهداف هي أهداف عسكرية صالحة".
ونقل التقرير عن شهود عيان قولهم إنه "لم يوجد أي رجال مسلحين في السوق أو على متن الحافلة، ولم تظهر لقطات الفيديو على متن الحافلة قبل الهجوم أي مقاتلين أو أسلحة".
ولم تستطع المنظمة تأكيد عدم وجود هدف عسكري حوثي قريب، غير أنها شددت على أنه حتى وإن كان يوجد، "فإن استخدام سلاح له تأثير كبير على المنطقة في سوق مزدحمة كان غير مميز على نحو غير قانوني أو متوقع يلحق خسائر مدنية غير متناسبة".
بيع أسلحة
بناء على الصور والفيديوهات لمخلفات القنبلة المزعوم استخدامها، حددت منظمة هيومن رايتس ووتش وموقع "بيلينغكات" للصحافة المستقلة نوعها وهي قنبلة من طراز جي بي يو-12 بيفواي موجهة بالليزر وتنتجها شركة "لوكهيد مارتن" الأمريكية.
ولم تؤكد الولايات المتحدة ولا شركة "لوكهيد مارتن" استخدام القنبلة، غير أن الأدلة أثارت تساؤلات جديدة بشأن دور القوى الغربية في الحرب.
وتقدم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا دعما لوجيستيا واستخباراتيا للتحالف فضلا عن بيع أسلحة على الرغم من مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان.
وقال وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس يوم 28 أغسطس/آب إن المساعدة الأمريكية "لم تكن بلا شروط" وألزمت التحالف "ببذل كل ما هو ممكن إنسانيا لتجنب أي خسائر لأرواح بريئة".
وأضاف :"لم نشهد تجاهلا صارخا من جانب الأشخاص الذي نعمل معهم. لذا سنواصل العمل معهم".
"صمت" دولي
وعلى الرغم من أن مجلس الأمن الدولي أعرب عن "قلق بالغ" بعد الضربة الجوية، انتقد طيب ما وصفه بـ"صمت" المجتمع الدولي" بشأن اليمن.
وأضاف "الأمر كما لو كانوا يستهدفون ماشية، لا الأطفال أو البشر".
وكان طيب قد تلقى اتصالا من المستشفى بعد خمس ساعات من الهجوم لإخباره بأنهم عثروا على جثة طفله الثالث علي.
واستعار سيارة جاره واحضر جثة ابنه إلى المنزل.
وقال طيب إن زوجته كانت متعلقة بعلي بشكل خاص مقارنة بجميع أطفالهما.
وأضاف : "أنتم تعلمون شعور أم عندما يعود ابنها بعد غياب؟ احتضنته كما لو كان عائدا من غياب مائة عام، ولا تسمح له بالذهاب".