ذوو الإعاقة.. نماذج مشرفة تسعى لتحقيق الذات وإحراز مكانة في المجتمع

بعد مسیرة الحیاة الدراسیة التي تمتد لأعوام یجتاز خلالھا الطالب عقبات ومصاعب عدیدة سعیا نحو ھدفھ متمتعا بالصبر والاجتھاد یبدأ البحث عن الوظیفة المناسبة لمؤھلاته لیصل إلى مبتغاه.
وینتھي ھذا الطریق الذي رسمه الشخص لنفسه إلى أحد مسارین فإما أن تكون وظیفته مرضیة لتوقعاته فیتمكن من الإنتاج والإبداع أو أن تكون غیر ملائمة لإمكانیاته وطموحه ما یؤثر على إنتاجه في العمل ویھدد استقراره الوظیفي.
وكغیرھم من أفراد المجتمع فإن الأشخاص ذوي الإعاقة یملكون أھدافا یسعون إلیھا بشتى السبل لتحقیق الذات وإحراز مكانة في المجتمع وقد استطاع كثیر منھم تقلد مناصب نشطة وذات قیمة كبیرة.
إلا أن ھذه الفئة تواجه مشكلات في المجال الوظیفي أبرزھا قلة التنوع في الوظائف المتاحة مقارنة بالأشخاص من غیر ذوي الإعاقة إلى جانب عدم تلبیة بعض الاحتیاجات المتعلقة بنوع الإعاقة والتي تساعد على الإنجاز بالشكل المطلوب.
وفي لقاءات أجريت مع عدد من الموظفین ذوي الإعاقة والناشطین والمسؤولین في الدولة أجمع ھؤلاء على أن مستوى الأداء الوظیفي یعتمد على قدرات الفرد وعلى مدى تعاون الزملاء والتقنیات المساعدة لھم التي توفرھا جھة العمل.
وأكدت الھیئة العامة لشؤون ذوي الإعاقة حرصھا على دمج ذوي الإعاقة في سوق العمل بشتى الطرق وتلبیة جمیع احتیاجاتھم واستقبال مقترحاتھم لتحسین أوضاعھم الوظیفیة.
وكانت البدایة مع معلمة اللغة العربیة منى العازمي التي قالت إنھا ورغم دخولھا مجال التعلیم عن قناعة تامة وشعورھا بالرضا عن أدائھا ونیلھا الثقة الإداریة بقدراتھا إلا أن المشكلة التي تواجھھا في وظیفتھا ھي التعامل مع بعض الإدارات المدرسیة التي ھي بحاجة لزیادة الخلفیة المعلوماتیة بما یخص الإعاقة التي تشرف علیھا.
وطالبت المسؤولین باختیار المعلمین والإداریین ذوي الخبرة لتذلیل الصعوبات التي تواجھ العملیة التعلیمیة وتغطیة جمیع احتیاجات الطلبة في مدارس التربیة الخاصة.
وأضافت إن الأشخاص ذوي الإعاقة لا یتمتعون بالتنوع الكافي في الفرص الوظیفیة المقدمة لھم وإن ھذه المشكلة یمكن حلھا بتكثیف التوعیة المجتمعیة.
وبینت العازمي أن جزءا كبیرا من المسؤولیة یقع على عاتق الفرد ذي الإعاقة بالإلمام بكل ما یخص وظیفتھ وإعاقته ومتابعة المستجدات المتعلقة بذلك.
من ناحیته قال الموظف بجامعة الكویت عیسى القلاف إن وظیفته لا تتفق ومیوله لأنه لم یكن مخیرا فیھا موضحا أنه ورغم ما یبذله من جھد سعیا للانجاز إلا أنه غیر راض عن إنتاجه في العمل بسبب عدم مراعاة الفروق بینه وبین الموظفین من غیر ذوي الإعاقة.
وذكر إن المشكلات التي تواجھه في عمله عدیدة تبدأ من عدم ملاءمة المرافق في مقر العمل للأشخاص ذوي الإعاقة لاسیما الحركیة ما یجعل التنقل صعبا وتستمر المشكلة أثناء أداء العمل في ضوء عدم وجود (كاونترات) خاصة تتیح للموظف ذي الإعاقة الحركیة تسلم معاملات المراجعین.
وأضاف إن بعض الزملاء لا یتردد بتقدیم المساعدة له لكن تكلیفھ بالمھام التي تفوق طاقته ومطالبته بسرعة إنجازھا یشكل عبئا جسدیا ونفسیا علیه.
وشدد القلاف على ضرورة أخذ مؤھلات وقدرات الفرد ذي الإعاقة بالاعتبار عند وضع خطط التوظیف مقترحا زیادة الفرص الوظیفیة المقدمة لإتاحة حریة الاختیار للباحث عن وظیفة.
ومن جھته أفاد معلم التاریخ فھد العنزي بأن "العملیة التعلیمیة في مدارس التربیة الخاصة تواجه مشكلات عدیدة منھا عدم إدخال التكنولوجیا لاسیما الأجھزة التعویضیة الخاصة بالمكفوفین في التعلیم ما قد یجعل إیصال وتلقي المعلومة أقل یسرا".
وأضاف "ان القرار أحیانا یكون بأیادي أشخاص لم یسبق لھم التعامل مع ذوي الإعاقة" مقترحا "توظیف أھل الخبرة في المجال أو أن یشغل ذوو الإعاقة المناصب القیادیة العلیا في مدارسھم". وأوضح العنزي "إن الوظیفة تمنحه مكانة اجتماعیة وفرصة للإنجاز وتحقیق الذات" مؤكدا حرصه على أداء أنشطة إضافیة لإثبات وجوده في العمل.
وذكر "إن نطاق الفرص الوظیفیة المتاحة لذوي الإعاقة في الكویت الیوم أفضل مما كان علیه سابقا" معربا عن تفاؤله بالمزید من التحسینات "لأن الفرد ذي الإعاقة قادر على القیادة بمختلف المناصب في الدولة في حال أتیحت لھ الفرصة".
وبدوره أكد الموظف بخدمة المواطن في وزارة الداخلیة أحمد السرحان إنه لم یواجه صعوبات أثناء بحثه عن وظیفته مبینا أنه كان یملك دافعا قویا للعمل في البدایة لكن بعض ما تعرض له من مشكلات أثر على إنتاجه فأصبح برأیه غیر مر ٍض إلى حد ما.
وذكر إن أبرز المشكلات التي واجھھا ھي عدم قدرته على الحصول على ما یثبت إعفاءه من البصمة رغم أنه من ذوي الإعاقة الشدیدة التي شملھا القانون بالإعفاء موضحا أنه لم یجد الحل في جھة العمل أو في دیوان الخدمة المدنیة أو في الھیئة العامة لشؤون ذوي الإعاقة.
وقال إن المھام الموكلة إلیه مناسبة لقدراته مؤكدا عدم وجود تمییز بینه وبین زملائه وھو قادر على الاندماج معھم بما یساعد على إنجاز العمل بالشكل المطلوب.
وأضاف السرحان "إن الفرد ذي الإعاقة قادر على تبوؤ أي منصب في حال توفرت المتطلبات اللازمة حسب نوع إعاقته مثمنا جھود المسؤولین فيالدولة لتوفیر الفرص الوظیفیة الكافیة للأشخاص ذوي الإعاقة".
ومن جانب آخر قال أمین سر الجمعیة الكویتیة لمتابعة قضایا المعاقین والناشط علي ثویني إن دور الناشطین یبدأ بتھیئة جمیع فئات المجتمع من أسر ومؤسسات لاستیعاب وجود الموظف ذي الإعاقة مبینا أن المشكلات التي تعترض أي مبادرة للتوظیف سببھا عدم الاستفادة من سابقاتھا.
وأوضح "إنه یجب إعادة صیاغة بعض القوانین الحالیة ومراجعة القوانین الجدیدة قبل وضعھا لتتوافق واحتیاجات الأشخاص ذوي الإعاقة لیتمكنوا من تطویر أدائھم الوظیفي".
ولفت إلى "أن الموظفین ذوي الإعاقة یواجھون عدة صعوبات منھا البنیة التحتیة غیر المھیئة والتقنیات غیر الملائمة وعدم إدخال التكنولوجیا المساعدة في أداء العمل" مؤكدا "أھمیة إشراك المختصین بمجال ذوي الإعاقة في التخطیط للتوظیف للحصول على نتائج أفضل".
وأشاد ثویني بالدور الذي أداه ذوو الإعاقة في المطالبة بتوسیع مجالات التوظیف المتاحة لھم موضحا أن الاستجابة لمطالب الناشطین غیر كافیة.
وأضاف "إن حفظ حق الترقیة بالاختیار للموظف والتركیز على جمیع درجات الإعاقة بما فیھا الشدیدة وتوفیر وظائف مناسبة لمؤھلاتھم سیضمن الاستقرار الوظیفي للفرد".
ومن جھتھا بینت المحامیة والناشطة ھنادي العماني "أن الأشخاص ذوي الإعاقة بحاجة لتكثیف جھودھم لإیصال مطالباتھم بفتح آفاق وظیفیة جدیدة إلى المسؤولین".
وأوضحت "أن كثیرا من المجالات التي یمكن لذوي الإعاقة دخولھا في ضوء التطور التكنولوجي لا تزال غیر متاحة لھم مؤكدة إمكانیة اللجوء للقانون في حال رفض تعیین الشخص دون سبب مقبول". وأفادت بأن "دور الناشطین بما یخص التوظیف یتمثل بعقد الندوات وتنظیم الزیارات إلى الجھات المعنیة بالأمر بالإضافة إلى رفع الرغبات الوظیفیة للأشخاص ذوي الإعاقة إلى تلك الجھات" مبینة "أن استجابة بعضھا غیر كافیة".
وأضافت العماني "إن تعدیل المواد الخاصة بالتوظیف في قانون حقوق ذوي الإعاقة لتخصص نسبة معینة من الموظفین لكل إعاقة سیضمن تعیین جمیع الفئات".
وفي ھذا الإطار قال نائب المدیر العام لشؤون القطاع التعلیمي بالھیئة العامة لشؤون ذوي الإعاقة المھندس أنور الأنصاري "إن الھیئة أطلقت حملة (شركاء لتوظیفھم) أواخر مایو الماضي بمبادرة من معھد البناء البشري للتدریب وبالتعاون مع عدد من المؤسسات في الدولة".
وأوضح "إن الحملة توفر مئة فرصة وظیفیة للاعاقات الحركیة والسمعیة والبصریة والتعلیمیة البسیطة والمتوسطة بعد اجتیاز برامج تدریبیة مكثفة منھا برنامج المؤذن ومقیم الشعائر وبرنامج العلاج الإكلینیكي "مشیدا بالاستجابة الفعالة للجھات المشاركة.
وأفاد بأن "الھیئة تتلقى بشكل دائم طلبات التوظیف من ذوي الإعاقة لإحالتھا للجھات المسؤولة عن التعیین في القطاع الحكومي والخاص وفق رغبة مقدم الطلب مع حفظ الأولویة له في دیوان الخدمة المدنیة".
وذكر الأنصاري "إن المقترحات التي من شأنھا تحسین الأوضاع الوظیفیة لذوي الإعاقة تؤخذ بالاعتبار لدراسة سبل تطبیقھا على أرض الواقع" موضحا "أن الھیئة توفر اختصاصیین لمتابعة وتلبیة احتیاجات الموظفین".
یذكر انه من باب حمایة حقوق جمیع المواطنین بمن فیھم ذوو الإعاقة أقرت الكویت القانون رقم 8 لسنة 2010 بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الذي خصص فصلا كاملا للتأھیل والتشغیل یتضمن خمسة بنود تبدأ بالمادة 13 وتنتھي بالمادة 17 من القانون.
ونصت المادة 14 من القانون على أن نسبة ذوي الإعاقة یجب ألا تقل عن 4 في المئة من الكویتیین في الجھات التي توظف 50 عاملا كویتیا على الأقل على ألا یرفض طلب التعیین دون سبب مقبول خلاف الإعاقة وتوفر الدولة برامج تحفیزیة للجھات التي تتجاوز ھذه النسب.
كما جاء في نص المادة 16 من القانون ان الھیئة "تحدد الإجراءات اللازمة والكفیلة بمنع جمیع صور إساءة استغلال الأشخاص ذوي الإعاقة في العمل".