معارك الحديدة تشتدّ وتحصد في 24 ساعة 132 قتيلاً غالبيتهم من الحوثيين
حصدت المعارك الدائرة في مدينة الحديدة في غرب اليمن بين القوات الموالية للتحالف السعودي والحوثيين الذين يحاولون وقف تقدّمها 132 قتيلاً خلال 24 ساعة، غالبيتهم من الحوثيين، في مؤشّر على اشتداد ضراوة القتال الذي بات ينذر بحرب شوارع قد تحرم ملايين اليمنيين في مناطق أخرى من إمدادات الغذاء في بلد تتهدّد المجاعة نصف سكان تقريباً.
ومنذ 2014 تخضع مدينة الحديدة المطلّة على البحر الاحمر للحوثيين، وتحاول القوات الحكومية بدعم من تحالف عسكري تقوده السعودية استعادتها منذ حزيران/يونيو الماضي بهدف السيطرة خصوصاً على مينائها الاستراتيجي.
وقتل منذ اشتداد المواجهات في الحديدة في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر نحو 382 مقاتلاً غالبيتهم من المتمرّدين، بينهم 132 في الساعات ال24 الاخيرة، حسبما أفادت مصادر طبية في محافظة الحديدة.
وبعد أسبوع من المعارك العنيفة، وصلت القوات الموالية للحكومة الخميس، لأول مرة، إلى أول الاحياء السكنية من جهة الشرق على الطريق الرئيسي الذي يربط وسط الحديدة بالعاصمة صنعاء، الخاضعة كذلك لسيطرة الحوثيين.
كما أنّها تقدّمت لنحو ثلاثة كيلومترات على الطريق البحري في جنوب غرب المدينة، وكذلك عند الاطراف الشمالية الشرقية للحديدة في محاولة للتقّدم شمالًا بهدف محاصرة المدينة بشكل كامل وقطع كافة طرق الإمداد عن المتمردين.
وفي مسعى لوقف هذا التقدّم، شنّ المتمرّدون الجمعة هجمات "مكثّفة وعنيفة" بقذائف الهاون على القوات الموالية للحكومة، حسبما أفاد مسؤولون عسكريون في هذه القوات.
وذكر المسؤولون أنّ الحوثيين أطلقوا كذلك صاروخاً باتّجاه جنوب المدينة حيث تتمركز القوات الحكومية ما أدّى الى إصابة عدد من المقاتلين الحكوميين بجروح.
وتحدّثت المصادر نفسها عن اشتباكات متقطّعة تدور بين الطرفين.
– تقدّم محدود –
ورغم القصف المكثّف، حقّقت القوات الموالية للحكومة تقدّماً محدوداً الجمعة في المدينة حيث تمكّنت من التقدّم لنحو نصف كيلومتر إضافي في شرق المدينة على طريق رئيسي محاذٍ لحي سكني، بعدما كانت تقدّمت لكيلومترين الخميس، بحسب المصادر ذاتها.
وكان المتمرّدون أعلنوا في وقت سابق أنهم قطعوا طرق الإمداد التي تستخدمها القوات الموالية للحكومة من أربع مناطق، بعد يوم من تأكيد زعيم المتمرّدين عبد الملك الحوثي أنّ مقاتليه لن يستسلموا أبداً.
وقال مسؤولون في القوات الموالية للحكومة إنّ المتمرّدين حفروا خنادق وزرعوا ألغاما على الطرق. وذكروا أنّ المتمردين نشروا كذلك قنّاصة على أسطح المباني وخلف لوحات إعلانية ضخمة.
من جهتها، أفادت منظمة "المجلس النرويجي للاجئين" الإنسانية في بيان الجمعة نقلاً عن سكان في الحديدة أنّ "الغارات لا تتوقّف" على المدينة وأنّ الطائرات والمروحيّات العسكرية تحلّق على علو منخفض.
وكتب عامل إغاثة مقيم في مدينة الحديدة يدعى سالم جعفر بوعبيد في تقرير نشر على موقع "ايرين نيوز" الخاص بأخبار النشاطات الاغاثية أن القتال في الأيام الأخيرة "يقترب من وسط المدينة".
وتابع "قلة ينامون في الليل. استطيع أن ألاحظ ملامح الإرهاق والقلق على وجوه جيراني".
ويشهد اليمن منذ 2014 حرباً بين المتمرّدين الحوثيين والقوات الموالية للحكومة، تصاعدت مع تدخّل السعودية على رأس تحالف عسكري في آذار/مارس 2015 دعماً للحكومة المعترف بها دولياً بعد سيطرة المتمردين على مناطق واسعة بينها صنعاء ومدينة الحديدة.
وكانت القوات الحكومية علّقت عملية استعادة الحديدة في تموز/يوليو إفساحا في المجال أمام محادثات سياسية، قبل أن تعلن في منتصف أيلول/سبتمبر استئنافها بعد فشل مساعي عقد مفاوضات في جنيف بسبب غياب المتمرّدين.
– آخر طرق الامدادات –
واشتدّت المواجهات الاسبوع الماضي بالتزامن مع تأكيد الحكومة اليمنية استعدادها لاستئناف مفاوضات السلام، وذلك غداة إعلان مبعوث الأمم المتّحدة إلى اليمن مارتن غريفيث أنّه سيعمل على عقد مفاوضات في غضون شهر، بعيد مطالبة واشنطن بوقف لاطلاق النار وإعادة اطلاق المسار السياسي.
لكن غريفيث ألمح في مقابلة مع قناة "الحرّة" الفضائية الأربعاء إلى أنّ عقد محادثات جديدة قد يتطلّب مدة زمنية أطول، موضحاً أنّه يعمل "من أجل عقد جولة مشاورات جديدة قبل نهاية العام".
وتدخل عبر ميناء الحديدة غالبية السلع التجارية والمساعدات الموجّهة الى ملايين السكان. وتثير المعارك مخاوف على حياة السكان البالغ عددهم نحو 600 ألف شخص، وعلى الإمدادات الغذائية إلى باقي المناطق التي قد تتأثّر بحرب شوارع محتملة.
وقالت منظمة "المجلس النرويجي للاجئين" في بيانها "لم يتبقّ إلا طريق برّي واحد من الحديدة إلى صنعاء، وهناك خطر كبير بأن تؤدي الهجمات البرية أو الجوية على الطرقات والجسور إلى إغلاق الطرق بين المدن بشكل كامل".
وحذّرت من أن هذا الامر قد يؤدي "إلى قطع آخر طرق إمدادات الغذاء والوقود والادوية لنحو 20 مليون يمني تعتمد حياتهم على واردات (ميناء) الحديدة".
كما توقّعت مؤسسة "آي أتش أس ماركيت" الاستشارية في تقرير أعده خبيرها في شؤون الشرق الاوسط لودوفيكو كارلينو أن القتال في الحديدة سيشتد في الأيام المقبلة، محذّرة من أنه في حال "اجبروا على الانسحاب، فإن الحوثيين قد يفخّخون منشآت الميناء".
ومنذ بدء علميات التحالف بقيادة السعودية في 2015، خلّف نزاع اليمن أكثر من عشرة آلاف قتيل و"أسوأ أزمة إنسانية" بحسب الامم المتحدة التي تقول إنّ 14 مليون شخص قد يصبحون "على شفا المجاعة" خلال الأشهر المقبلة.
وأعلن برنامج الأغذية العالمي الخميس نيّته تقديم مساعدة غذائية لحوالي 14 مليون من السكان (نحو نصف سكان اليمن) مقابل 7 الى 8 ملايين نسمة يساعدهم حالياً.
وفي اسطنبول، دعا مؤتمر خاص باليمن عُقد بمشاركة الناشطة اليمنيّة توكل كرمان حائزة جائزة نوبل للسلام في 2011، الأمم المتحدة إلى "العمل الجاد" لإنهاء الحرب في اليمن وطالب بإنشاء محكمة دولية خاصة تنظر في "الجرائم" التي ارتُكبت خلال النزاع.