كيف غيرت صورة “الأب الوسيم” دور الرجل مع الأبناء في اليابان؟

تبنت الحكومة اليابانية برنامجا جديدا لتشجيع الرجال على الانخراط أكثر في تربية الأبناء، فكيف فعلت ذلك؟ وهل حقق البرنامج مراده؟
عند النظر إلى الصحف والمجلات اليابانية بل وحتى قصص الأطفال، تطالعك شخصية خارقة غير معهودة لرجل وسيم مبتسم يداعب صغيرته أثناء الفطور، أو يصاحب ولده بالدراجة للحديقة وهما يرتديان ملابس مشابهة.
هذا البطل الجديد الوسيم يتحلى بالتعاطف والتفهم، ولا يرفض طهي الطعام أو المشاركة في أعمال المنزل.
إنه مشروع "إيكومين" أو "الأب الوسيم" المخالف تماما للصورة التقليدية القديمة للأب البعيد عن الأسرة بسبب انهماكه في العمل فقط. والتعبير الياباني مشتق من كلمتين تجمعان بين رعاية الأطفال والوسامة، وقد ظهر أول مرة خلال إعلان في أوائل الألفية، حتى أطلقت وزارة الصحة والعمل والرعاية اليابانية مشروعا وطنيا يحمل هذا الاسم للترويج للفكرة وتشجيع الرجال على الانخراط أكثر في الحياة الأسرية.
وسرعان ما انتشرت الفكرة وباتت صورة "الأب الوسيم" منتشرة في كل مكان في اليابان، ولكن هل هذا التوجه الجديد يعني حقا تقدما على صعيد المساواة بين الرجل والمرأة؟ أم هو مجرد صورة براقة لا تعكس تغيرا حقيقيا بينما تكدح المرأة مع تحملها العبء الأكبر لمسؤوليات الأسرة؟
في السابق كان الأب الياباني مسؤولا عن كسب الرزق أولا وأخيرا، وبالتالي كرس الموظف الياباني جل وقته للعمل بشركته ساعات طوال والترقي وظيفيا لتأمين الأسرة ماليا، إذ تقول هانا فاسالو التي نشرت لها مؤخرا دراسة تتناول الدور الاجتماعي للأب الياباني، "كان الالتزام المطلق بالعمل يعد أوج الرجولة وغايتها".
وبالطبع لم تكن اليابان وحدها التي تحمل تلك الصورة، فحتى الثمانينيات كان الرجل يقضى في المتوسط أقل من 40 دقيقة برفقة أبنائه خلال يوم العمل العادي، غالبا خلال تناول الطعام.
الصورة التقليدية للأب الياباني باعتباره متباعدا وحازما ولكن الصورة الجديدة "للأب الوسيم" تركز على انخراط الآباء في تربية ابنائهم
وتقول دراسة إن بعض الرجال لم يعرفوا كيفية تحضير الشاي لأنفسهم أو مكان وضع ملابسهم دون مساعدة الزوجة. وحتى خلال الوقت الذي كان الأب يمضيه مع أولاده اتسمت العلاقة بينهم بالتباعد والهيبة، بل والخوف – ومن ثم يشيع المثل الياباني: "رعد ونار وزلزال وأب!".
وغني عن القول إن هذا أدى لتبعات خطيرة، كان منها أن النساء لم يستطعن العمل بعد إنجاب الأطفال، ما دفع الكثيرات لرفض فكرة الزواج أو تأخر سن الزواج لديهن ومن ثم أصبحت اليابان تعاني من تدن خطير في معدل المواليد، ناهيك عن أن البلاد شهدت خلال الثمانينيات ارتفاعا في نسب انتحار الأطفال أعزاه البعض للافتقاد للدعم الأبوي.
ورغم ذلك ظل التوجه العام دون تغيير إلا ما ندر، فحتى عام 2002 لم تكن نسبة الآباء الذين أخذوا الإجازات المستحقة لهم عن ميلاد ابن جديد أكثر من 0,33 في المئة، وفي عام 2008 أوردت دراسة أن ثلث الآباء يحبون قضاء مزيد من الوقت مع أبنائهم غير أنهم يخشون رؤساءهم في العمل.
وجاء برنامج "الأب الوسيم" لتصحيح الوضع وخلق "تحركا اجتماعيا يساعد الرجال على الانخراط في تربية الأطفال".
واشتمل البرنامج الحكومي على ندوات وورش عمل ووزعِت كتيبات على الآباء تتضمن نصائح لكيفية الموازنة بين العمل والحياة الأسرية.
وبخلاف الحملات السابقة لتعزيز انخراط الرجال أسريا، عمد برنامج "الأب الوسيم" لرسم صورة بطولية للأب مؤكدا على رجولته وجاذبيته، ومن ملصقات البرنامج صورة لرجل يمزق بدلته وقميصه بشكل خارق كاشفا عن شعار "الأب الوسيم عماد المجتمع!" بمعنى أن المنخرطين فيه من الآباء هم أبطال ليس بدعم أسرهم فحسب بل بتربيتهم للجيل المقبل من العاملين الذين سيحملون على عاتقهم أعباء المجتمع ككل.
في الماضي كانت نسبة الآباء اليابانيين الذين استفادوا بإجازة مولود جديد متدنية جدا
وبفضل الصور الجذابة ذاعت الفكرة، وتقول فاسالو "أصبح الجميع في اليابان يعرف كلمة 'إيكيمين' التي عبرت بشكل أفضل عن صورة الأب الراعي للأسرة".
وهناك الآن مجلات متخصصة تعلن عن ملابس مشابهة للأب والأبناء وصور لمشاهير برفقة أبنائهم، وقد نظمت مجلة إف كيو اليابانية مسابقة لاختيار الفائز بلقب الأب الوسيم.
وغدت صورة الأب الوسيم دارجة في المسلسلات التلفزيونية والقصص الكارتونية ومنها قصة تعرض الصعاب التي يواجهها البطل "ميدوريكاوا هيرويو" البالغ الحادية والعشرين والذي يرعى ابنته بينما تخرج زوجته للعمل.
ونقيضا للصورة التقليدية يشعر هيرويو بالرضا والقيمة لعلاقته بابنته وتساعده وسامته على تخطي الوصمة التقليدية لرجل لا يعمل خارج البيت، وفي بعض الصور ترمق النساء هيرويو بإعجاب بينما يداعب ابنته.
وقد نجحت حملة تسويق البرنامج نجاحا كبيرا، وأثارت حديثا عن صورة الأب وتقول فاسالو إن وعيا جديدا بات متوافرا، ولكن البرنامج لاقى انتقادات أيضا منها من نساء شعرن بالغبن لأن الرجال أصبحوا أبطالا لمجرد قيامهم بدور معقول من المهام اليومية التي يؤدينها باستمرار.
وتقول فاسالو: "في البداية رحب الجميع بالفكرة، ولكن مع الوقت بدأ البعض يتمهل في حكمه، خاصة اليابانيات، لمعرفة ما إذا كان من الجدير إعلاء الرجال بهذه الصورة"، خاصة أن البعض قد ينتهز الفرصة لتمجيد دوره دون القيام بمهام تذكر في البيت.
ورغم حسن النوايا مازال البرنامج يطرح الأم باعتبارها المتحملة الرئيسية لمسؤوليات الأطفال ويشيد بالرجل لقيامه بأي دور في هذا الصدد.
بينما نجح المشروع الياباني في التوعية بدور الرجال داخل الأسرة، يقول معلقون إنه يلزم الوقت لمعرفة ما إذا كان تغير سلوكي طرأ فعلا
وبعض الرجال يشتكون من شعورهم بالإنهاك لمحاولتهم المستمرة الوفاء بتوقعات كبيرة منهم بالعمل خارج البيت وداخله وحتى لو كانوا يحبون ذلك فهم يعلمون أن من مدراء الجيل القديم من لا يولون قيمة لما يفعلونه كآباء، بل يعود عليهم الأمر بالخسارة في الوظيفة، إذ لا يعي هؤلاء المدراء السياسات الجديدة.
وكذلك لا ينبغي إغفال الإصلاحات الأكبر المطلوبة لتحقيق المساواة بين الجنسين، فبريجيت ستيغر من جامعة كامبردج تشير إلى أن القانون الياباني لازال لا يعترف بالتكافؤ بين الرجل والمرأة في حالات الطلاق، إذ لا يُلزِم الآباء في كثير من الحالات بدفع نفقة، وبالتالي لا يضمن وصولهم لأبنائهم "حتى لو كانت علاقة وثيقة تربطهم بالأبناء".
وعموما يعد وضع اليابان متدن في مؤشر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للتكافؤ بين الرجل والمرأة في مجال العمل.
ورغم ذلك فهناك ما يؤشر على تغيرات ملموسة، فقد زادت نسبة الرجال الذين يأخذون إجازة الوليد، رغم ضآلتها، زيادة ملحوظة منذ بدء البرنامج، إذ ارتفعت من 1,9 في المئة عام 2012 إلى 7 في المئة عام 2017، وقلت نسبة الداعمين لمفهوم أن مكان الرجل هو العمل بالخارج والمرأة البيت من 60 في المئة عام 1992 إلى 45 في المئة الآن، أي بنحو 15 في المئة.
ويبدو أن صورة الأب المنخرط بالأسرة أصبحت أكثر شيوعا على الصعيد اليومي، إذ تقول ستيغر إنه بات ملحوظا رؤية الآباء برفقة أبنائهم خاصة خلال العطلات وفي المدن، وبدا أن الكثيرين تربطهم علاقات حميمة مع أبنائهم، وقد شاركت في مراجعة كتاب بعنوان "رجال يابانيون جذابون".
وتتفق فاسالو أن التغير السلوكي بطيء ولكنها وجدت أن من التقتهم من الآباء اليابانيين بدأوا يجدون لهم دورا في محيط الأسرة.
وربما لم تكن الصورة بطولية كما يصورها البرنامج الياباني، والبعض يتحرج لوصفه بالأب الوسيم، ولكنهم يتمتعون بتربية أبنائهم ومشاركة النصائح مع غيرهم من الآباء على فيسبوك وحضور الاجتماعات، مما يجعل فاسالو تعتقد "أنهم باتوا يبحثون عن علاقة صحية توازن بين العمل والأسرة"، معربة عن توقعها أن يكون المستقبل أفضل جراء ذلك.