مؤتمر وارسو: أول محفل دولي يضم تحالفا امريكيا إسرائيليا يضم عرباً
يبدو القرار الأمريكي بعقد مؤتمر الشرق الأوسط في وارسو أحد المساعي المثيرة للفضول، ويثير القرار تساؤلات حول أسباب اختيار العاصمة البولندية للجمع بين قادة وزعماء أوروبيين وعرب في مجملهم. فمن المعروف أن بولندا ليس لديها اهتمام كبير بقضايا الشرق الأوسط.
رغم ذلك، تُعد وارسو عضوا فاعلا في حلف شمال الأطلسي، وفي ضوء التاريخ الأسود لما تعرضت له على أيدي روسيا، يُرجح أن يكون هناك تقارب بين المواقف الأمريكية البولندية أثناء المؤتمر. كما تستضيف بولندا مؤتمرا يناقش قضية المواقع الأمريكية المضادة للصواريخ الباليستية في أوروبا.
ويتلهف بعض البولنديين إلى رؤية قاعدة عسكرية أمريكية كاملة في بلادهم، والتي يطلقون عليها من الآن “فورت ترامب” أو قلعة ترامب، ما يجعل اختيار وارسو لعقد مؤتمر الشرق الأوسط قرارا دبلوماسيا رائعا بالنسبة للبولنديين.
مع ذلك، لا تزال هناك بعض الأفكار المزعجة التي تراودني عن هذه القمة التي تنعقد في بولندا، أبرزها أن عددا من دول أوروبا المشاركة في المؤتمر كانت تتلهف إلى استضافة هذا المؤتمر.
يأتي ذلك وسط حالة من التباطؤ سادت أروقة الدبلوماسية الأوروبية حيال هذه القمة. فحتى في هذه المرحلة المتأخرة، كان هناك انعدام يقين فيما يتعلق بالدولة المضيفة ومستويات تمثيل الدول المشاركة في المؤتمر.
لكن الواقع أثبت أن التركيز على إيران فقط من شأنه أن يسلط الضوء على الانقسام في المعسكر الأوروبي في أعقاب قرار إدارة ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي بين إيران وقوى الغرب.
لذلك تم التوسع في أجندة المؤتمر ليكون اجتماعا على المستوى الوزاري “يروج لمستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط.” ولم يرد اسم إيران في جدول أعمال المؤتمر بعد أن توسع ليشمل بعض القضايا العامة مثل تحديات الأوضاع الإنسانية، وأوضاع اللاجئين، والحد من انتشار الصواريخ، وتهديدات القرن الحادي والعشرين مثل القرصنة الإلكترونية والإرهاب.
كما يخلو جدول الأعمال من قضية الصراع العربي الإسرائيلي، ولن يحضر من يمثل السلطة الفلسطينية المؤتمر نظرا لمقاطعتها الإدارة الأمريكية.
إذن من سيحضر القمة، وعلى أي مستوى يكون تمثيل الدول المشاركة؟
من الواضح أننا لن نعرف الإجابة على تلك الأسئلة حتى يظهر المشاركون من المسؤولين والوزراء.
لكن بالنسبة للجانب الأمريكي، يمثل الولايات المتحدة مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، ومايك بنس، نائب الرئيس ترامب، وجاريد كوشنر، زوج ابنة الرئيس ترامب ومهندس خطة السلام في الشرق الأوسط التي لم يُعلن عنها بعد.
كما يحضر جيريمي هنت، وزير الخارجية البريطاني، المؤتمر على الأقل في الجلسة الافتتاحية.
لكن بعض الدول الأوروبية قد يكون تمثيلها في هذا الاجتماع بمستويات أقل.
ويتوجه بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، إلى وارسو مع إرسال أغلب الدول العربية وفودا بقيادة وزراء إلى المؤتمر، أبرزها السعودية واليمن والأردن والكويت والبحرين والمغرب وعُمان والإمارات. ويتوقع أن توفد مصر وتونس وكلاء للوزراء لتمثيل الدولتين في هذا الحدث.
ويُعد هذا الاجتماع هو الأول الذي يجمع بين إسرائيل ودولا عربية للمناقشة في قضايا الأمن الإقليمي منذ المحادثات التي شهدتها العاصمة الإسبانية مدريد في تسعينيات القرن العشرين. ونتوقع أن تفرض بعض جوانب عملية السلام في الشرق الأوسط نفسها على أجندة المحادثات، لكن يبدو أن إيران سوف تحتل القدر الأكبر من الاهتمام في المناقشات التي تدور في إطار المؤتمر.
وهنا يظهر الانقسام بين المشاركين، إذ ترى الولايات المتحدة وإسرائيل والدول العربية المعتدلة إيران كقوى خبيثة في المنطقة تريد أن توسع نفوذها في الشرق الأوسط وتستغل كل فرصة تواتيها لتحقيق ذلك.
كما أن هذه الدول لديها شكوك في مدى قدرة الاتفاق النووي مع طهران، الذي توصلت إليه إيران وقوى الغرب في 2015، على كبح جماح الطموح النووي الإيراني في المنطقة.
وتتخذ إسرائيل موقفا شديد التأييد للولايات المتحدة والسعودية في هذا الشأن. كما ترفض الوجود العسكري المتزايد لإيران في سوريا ولبنان.
وتخوض تل أبيب أيضا معركة من أجل تقليص عدد القوات الإيرانية والجماعات المسلحة الموالية لإيران في المنطقة.
ومن المرجح أن يحث نتنياهو المشاركين على عدم التعامل مع إيران من منظور الانقسام الأمريكي الأوروبي حول الاتفاق النووي.
وبدلا عن ذلك، نتوقع أن يؤكد على ضرورة النظر إلى طهران من زاوية القيم الأوروبية والتركيز على دعمها للإرهاب، وانتهاكها لحقوق الإنسان، واحتجاز الأجانب، وغيرها من القضايا التي تهم الحكومات الأوروبية.
ومن المؤكد أن وزراء الخارجية في لندن، وباريس، وألمانيا لديهم مخاوف حيال النهج الإقليمي لإيران في المنطقة وتطويرها لبرامج صاروخية. لكن هناك قدر من الضبابية لا يزال يغلف الإجراءات التي تعد لها تلك الحكومات لمواجهة ذلك.
وبالنسبة للأوروبيين، فيكفيهم أن يتمتع الاتفاق النووي بين إيران وقوى الغرب بالقدرة على تقويض الأنشطة النووية الإيرانية، وهو ما يقع من الأهمية بمكان بالنسبة لدول أوروبا. لكن على مستوى واشنطن وإسرائيل والدول العربية المعتدلة، لا يُعد ذلك كافيا.
في نفس الوقت، تعاني أوروبا قدرا كبيرا من التشتت بسبب البريكست وغيره من القضايا الهامة، مما يجعل السياسة غير واضحة المعالم لترامب وإدارته، التي تتجسد في قرارات مثل سحب القوات الأمريكية من سوريا والتهديد وخفض عدد القوات في أفغانستان، من العوامل التي تزيد من الضغوط التي تواجهها أوروبا.
وكان انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني ومعاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى من العوامل التي أسهمت في أن ترى القوى الأوروبية في الولايات المتحدة عنصرا لا يمكن الاعتماد عليه.
لذا مهما بلغ حجم المشكلات التي تعانيها منطقة الشرق الأوسط، فسوف يخبرنا المؤتمر بالمزيد عن الانقسامات الكائنة في معسكر الغرب، والتي يبدو أنها تتحول من سيء إلى أسوأ.