حول وفاة القائد الفلسطيني ماهر اليماني من العصر الذهبي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

اسعد ابو خليل*
عندما أبلغني الرفيق عصام بوفاة القائد ماهر اليماني, قلتُ له: العزاءُ لكم ولي. لقد فقدت القضيّة الفلسطينيّة وفقدت الثورة الفلسطينيّة رجلاً ساهمَ بقوّة واندفاع في كل محطاتها في سنواتها الذهبيّة. عندما تقرأون عن العمليّات الخارجيّة وعن الدور العسكري الثوري للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين في مرحلتها الذهبيّة فأنتم تقرأون عن ماهر اليماني ورفاقٍ كثر مثله. هؤلاء أعطوا حياتهم للقضيّة من دون أضواء ولا تشبيح ولا بزنس في سنوات التقاعد. في زمن تكثرُ فيه الروايات الانعزاليّة الفاشيّة عن الحرب من قبل مجرمي حرب لبنانيّين زعران من صفوف الميشليات المتعاملة مع العدوّ الاسرائيلي في القوّات اللبنانيّة, وفي زمن حوَّل فيها ياسر عرفات ومَن خلفه في رام الله النضال إلى عمليّة مفاوضات مباشرة مع العدوّ الغاصب, نحتاج إلى التذكير بأدوار أبطال وفدائيّين حقيقيّين لا ينتمون بأي شكل إلى صف مهرّجي أوسلو وقادة التنسيق الأمني مع العدوّ. ماهر اليماني رافقَ الحكيم, جورج حبش, لسنوات وكنتُ–مثل غيري–نتظمئن إلى وجوده بقربه لأننا نعلم ان ماهر لا يمكن ان يدع اي مكروه يصيب الحكيم وهو معه. (انظروا الى الشرر في عينه في هذه الصورة: كم كان ماهر يعرف كيف يكون مُخيفاً عندما يريد وكيف يكون وديعاً عندما يريد). كان ماهر صبوراً وهو يشرح لكل من يلتقي به أنه–خلافاً للشائع–ليس ابن أبو ماهر اليماني بل شقيقه. نذر ماهر حياته من سنوات الصبا للقضيّة وتفوّق في العمل العسكري وحضر كل فصول الحرب الأهليّة في لبنان وكان–خلافاً لتنظيمات في بيروت الشرقيّة وبيروت الغربيّة على حد سواء–من الذين لم يتلوّثوا بفساد الحرب وجرائمها. كنتُ أثقل عليه بالكثير من الأسئلة كي يحدُثني عن وديع حدّاد وعن طبيعة العمل في “العمليّات الخارجيّة” وعن قربه من الحكيم. وكان, مثل كل الذين عرفوا جورج حبش عن بعد, يؤكّد لمن يسأل ما نعرفه جميعاً: ان حبش كان عن قرب أبهرُ منه عن بعد–خلافاً للكثير من الزعماء والقادة. كان الحكيم في حياته الخاصّة منزهّاً ونقيّاً, مما زاد من إخلاص وتفاني حرّاسه ومستشاريه له. آخر مرّة رأيتُ فيها ماهر, تحدّثنا عن خيانة وليد قدّورة للجبهة (وعن الانشقاقات المشبوهة) وعن إطلاق سراحه في بيروت في مرحلة الاجتياح الاسرائيلي (لسبب لا داعي لشرحه لم يُنفَّذ حكم الإعدام بقدّورة). نحن ممتنون للرفيق سماح إدريس الذي عرّفنا وعرفّكم على جانب من نضال ماهر في أعداد مختلفة من مجلّة “الآداب”, فعودوا إليها. بوفاة القائد ماهر نطوي صفحة من صفحات النضال الثوري الفلسطيني ونأمل لو أن هناك صفحة ثوريّة أخرى في الأفق–لعلّها تقضي وبالضربة القاضية على مرحلة أوسلو وعلى عصابة السرقة والتنسيق الأمني في رام الله. ماهر أدّى قسطه في معركة تحرير فلسطين ويحزّ في قلبي انه لن يُدفَن في فلسطين. ليس الان. ليس بعد.