منقبو النفايات في تونس لم يحصلوا على حياة أفضل
تعمل منظمة اجتماعية غير حكومية في تونس على تنظيم نشاط نابشي النفايات بتزويدهم بأحذية وقفازات وحقن مضادة للأمراض التي يمكن أن تصيبهم، وعلى مد العاملين ببطاقة راتب في محاولة لجعل عملية النبش مهنة حقيقية.
يصعب تحديد الطريق المؤدية الى مقر جمعية “البرباشة” في منطقة حي التضامن الشعبية حيث ينشط منقبو النفايات بطريقة غير رسمية وسط انتشار عشوائي للبنايات.
تتناثر القوارير البلاستيكية داخل محل جمع القمامة المطلي بالأبيض والأخضر، وفقط ميزان صناعي وآلة تدوير البلاستيك هي كل ما يلزم للعمل.
تدير الجمعية المشروع وتسيير نحو 75 منقبا عن القمامة ويترأسهم مدير، وهمها الأوحد تحسين بيئة عمل “البرباشة” دون التفكير في تطوير الأرباح.
وأنشئت جمعية “البرباشة” (منقبو النفايات) بمبادرة من المنظمة المدنية “انترناشيونال الرت” غير الحكومية ودشنت أولى نقاط التجميع في كانون الاول/ديسمبر 2018.
وتشجع الجمعية المنقبين ماديا، وذلك بشراء الكيلوغرام الواحد من البلاستيك ب 800 مليم (حوالى ربع يورو) بينما يباع في السوق بأقل من ذلك كما تقدم دورات تدريبية وتجهيزات للوقاية من الأمراض المنقولة للمنتفعين على غرار القفزات والأحذية الواقية.
ويقول محمد العلوي لفرانس برس وهو الذي يعمل في جمع وفرز النفايات منذ أكثر من عقدين “أكسب ما بين 200 و250 مليما (0,59 و0,073 يورو) في الكيلوغرام…حين أبيع ثلاثين كيلوغراما يمكن أن احقق ربحا ب سبعة دنانير (2 يورو) اضافية وهي رزق ابنائي”.
-حقن-
ويتابع العلوي الستيني منتعلا حذاء جديدا يقيه من الإصابات أثناء عمله “يهتمون بنا يعطوننا حقنة ضرورية مضادة للصدأ، كنا نصاب أحيانا ونظل لشهرين (حتي يلتئم الجرح)”.
ويضيف محمد من أمام عربته الخشبية المجهزة بعجلتين “هذا عمل مرير، نبدأ العمل الرابعة صباحا والطقس شديد البرودة ونستأنف مساء”.
وترك العلوي عمله السابق كعامل في البناء بعد ان أجرى عملية جراحية ولم يعد يتحمل رفع الأجسام الثقيلة كما كان يفعل ذلك وهو شاب.
ويعتبر العلوي ان عمله “أفضل من التسول، ولكن عانيت الكثير مع هذه العربة. لا يمكنك ان تتصور على ماذا نعثر في القمامة، بلور مكسور وحقن وجراثيم ومعادن صدئة”.
ويتم رحي وتدوير البلاستيك الذي يُشترى من المنقبين على عين المكان في ورشة حي التضامن ليباع لاحقا بحوالي ربع يورو وتوظف العائدات المالية في ادارة المجمع ودفع مستحقات العاملين وكذلك في تنفيذ مبادرات الدعم.
وحددت الجمعية هدف بلوغ طن واحد من البلاستيك أسبوعيا، لكن عمليات الجمع المتواصل تمكنت من الوصول الى ضعف الكمية ما دفع المشرفين الى التفكير في اقتناء آلة ثانية للرحي والتدوير وتفادي تراكم القوارير البلاستيكية والكراسي التي لم تترك مكانا شاغرا داخل المجمع.
-حياة صعبة-
وتقدر منظمة “انترناشيونال الرت” أن عدد “البرباشة” في تونس يناهز ثمانية آلاف شخص، منهم 800 ينشطون في حي التضامن يجمعون القوارير والمعادن والنحاس والخبز وكل ما يمكن تثمينه وتدويره.
ويؤمن المنقبون في القمامة ومن بينهم نساء كثيرات وفي ظروف صعبة وخطرة أحيانا، ثلثي ما يتم تدويره في البلاد من هذه المواد.
ينتشرون في أغلب الأماكن التي تتواجد فيها القمامة، يجوبون الشوارع يوميا لجمع بضعة عشرات من الكيلوغرامات من البلاستيك. ويتمكنون من جمع حوالي عشرة كيلوغرامات في فصل الشتاء وتصل الكمية الى خمسين كيلوغراما في الصيف.
ويعيش جلهم ظروفا حياتية صعبة كبقية مئات الآلاف من التونسيين الذين ينشطون في القطاعات الموازية ويواجهون مستقبلا غامضا ولا حلول أمامهم سوى التضامن العائلي.
وتعمل منظمة “انترناشونال الرت” مع منظمة أخرى لجعل عمل “البرباشة” مهيكلا ونيل اعتراف رسمي بهم من قبل البلديات ما يسمح باعطائهم لبطاقات دفع الأجر وتمكينهم من بطاقات للعلاج.
ويبين ماهر العمراني، منسق المشروع في المنظمة انه “ينقص القطاع إطار قانوني”.
وتم تقديم مشروع قانون للبرلمان التونسي منذ سنة يخص الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ويوضح العمراني “لم يمرر بعد للبرلمان .هذا القانون سيحمي البرباشة ويمكنهم من بطاقة علاج في المستشفيات الحكومية”.