الجيش السوداني يطيح بالرئيس عمر البشير
أطاح الجيش السوداني الخميس بالرئيس عمر البشير بعد 30 عاماً أمضاها في الحكم، وأعلن اعتقاله واحتجازه “في مكان آمن” وتولّي “مجلس عسكري انتقالي” السلطة لمدّة عامين، وذلك بعد أربعة أشهر من احتجاجات شعبية غير مسبوقة ضدّ النظام.
وأعلن وزير الدفاع عوض بن عوف في كلمة ألقاها عبر التلفزيون الرسمي “أعلن أنا وزير الدفاع اقتلاع ذلك النظام والتحفّظ على رأسه في مكان آمن واعتقاله”.
وأعلن الجيش سلسلة إجراءات من بينها فرض حظر تجوّل ليلي يسري من الساعة 22,00 (20,00 ت غ) ولغاية الساعة 04,00 فجراً (02,00 ت غ)، لكنّ منظّمي التظاهرات الرافضين لما اعتبروه “انقلاباً عسكريا من سلطات النظام” دعوا إلى مواصلة الاعتصام المستمر منذ ستة أيام أمام مقرّ القيادة العامة للجيش في وسط العاصمة.
وانتقد بن عوف “عناد النظام” وإصراره خلال الأشهر الماضية على “المعالجات الأمنية” في مسألة الاحتجاجات الشعبية ضده.
كما أعلن “تشكيل مجلس عسكري انتقالي يتولى إدارة حكم البلاد لفترة انتقالية مدتها عامان”، مشيراً الى أن المجلس سيلتزم “تهيئة المناخ للانتقال السلمي للسلطة وبناء الأحزاب السياسية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة بنهاية الفترة الانتقالية”.
وأعلن بن عوف تعطيل العمل بالدستور، مشيراً إلى أنّه سيتمّ وضع “دستور جديد دائم للبلاد” خلال الفترة الانتقالية، و”حلّ مؤسسة الرئاسة من نواب ومساعدين وحل مجلس الوزراء”. كما أعلن حلّ حكومات الولايات ومجالسها التشريعية.
وأعلن وزير الدفاع أيضاً إغلاق أجواء البلاد “لمدة أربع وعشرين ساعة” والمداخل والمعابر الحدودية “حتى إشعار آخر”، وفرض “حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر”.
– “قوى الحرية والتغيير” –
وجاء بيان الجيش بعد طول انتظار منذ الصباح عندما أعلن التلفزيون الرسمي عن “بيان هام” سيصدر، فاجتاح المتظاهرون الشوارع، محتفلين وملوحين بالأعلام، وبدأوا يهتفون “سقطت، سقطت”، بلهجتهم العامية، حتى قبل معرفة مضمون البيان العسكري.
لكنّ منظمي حركة الاحتجاج سارعوا، فور انتهاء إعلان وزير الدفاع، إلى رفضه.
وقال بيان لقوى إعلان الحرية والتغيير “نفّذت سلطات النظام انقلاباً عسكرياً تعيد به إنتاج ذات الوجوه والمؤسسات التي ثار شعبنا العظيم عليها”، مضيفاً “يسعى من دمّروا البلاد وقتلوا شعبها إلى أن يسرقوا كل قطرة دم وعرق سكبها الشعب السوداني العظيم في ثورته التي زلزلت عرش الطغيان”.
وأضاف “إننا نرفض ما ورد في بيان انقلابيي النظام هذا وندعو شعبنا العظيم للمحافظة على اعتصامه الباسل أمام مباني القيادة العامة للقوات المسلحة وفي بقية الأقاليم وللبقاء في الشوارع في كل مدن السودان”.
وطالب البيان بـ”حكومة انتقالية مدنية تعبر عن قوى الثورة”.
بدوره قال عبد الواحد نور، زعيم “جيش تحرير السودان”، أحد أبرز الفصائل المتمرّدة في دارفور، “نرفض رفضاً قاطعاً +انقلاب القصر+ هذا”، معتبراً ما جرى “إعادة تدوير للنظام بوجوه جديدة”.
– حظر التجوّل –
وتتّجه الأنظار نحو الجيش لمعرفة كيفية تعامله مع قرار البقاء في الشارع، لا سيّما وأنّ الجيش حذّر مساء الخميس من “المخاطر التي قد تترتّب على عدم الالتزام” بحظر التجوّل.
وقال الجيش في بيان إنّه “على المواطنين الالتزام بذلك (حظر التجوّل) للمحافظة على سلامتهم ونظراً للمخاطر التي قد تترتّب على عدم الالتزام بحظر التجوال بالتوقيتات المعلنة”.
وشدّد الجيش على ضرورة الالتزام بحظر التجوّل “حتى تؤدّي القوات المسلحة واللجنة الأمنية واجبها في حفظ الأمن العام وأرواح وممتلكات المواطنين”.
لكنّ المتظاهرين أكّدوا على عزمهم المضي في الاحتجاج.
وقال عادل علي، أحد المحتجين لوكالة فرانس برس، “ما الفرق بين البشير وعوض بن عوف، فقد كان نائبه الأول حتى أمس”، مضيفا “هذا البيان يعني أن كل جهدنا وشهداءنا الذين قدمناهم خلال أربعة أشهر ضاع، ولكننا لن نغادر هذا الميدان. سنواصل ثورتنا”.
وعلى حسابها على موقع “تويتر”، قالت السودانية آلاء صلاح التي تحولت إلى أيقونة للتظاهرات بعد تداول صورها على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي خلال مشاركتها في التظاهرات إنّ “الشعب لا يريد مجلساً عسكرياً انتقالياً… نريد مجلساً مدنياً يقود المرحلة الانتقالية”.
– حشود –
وكانت حشود ضخمة من السودانيين تجمعت في وسط الخرطوم منذ الصباح مترقبة بيان الجيش.
وقطع التلفزيون الرسمي برامجه وبدأ ببث أناشيد وطنية وعسكرية بعد الإعلان عن صدور البيان “بعد قليل”.
وأقلت حافلات وسيارات متظاهرين الى مقر قيادة الجيش، وأطلقت نساء الزغاريد، ولوحت مجموعات بالأعلام وصرخ أفرادها هتافات ضد الرئيس. وتعانق المتظاهرون في الشوارع، وتبادلوا الحلوى، قبل ساعات من إعلان الجيش الإطاحة بالرئيس.
وكان المتظاهرون يطالبون منذ ستة أيام بانضمام الجيش الى مطلبهم تنحي البشير.
وخرج متظاهرون محتفلين كذلك في مدن عدة بينها مدني والقضارف وبورتسودان والأبيض وكسلا.
وذكر شهود أن متظاهرين هاجموا مركزا لجهاز الأمن والمخابرات السوداني النافذ في مدينة كسلا في شرق السودان، ومقرا للجهاز في مدينة بورتسودان في الشرق أيضا.
وناشدت “قوى إعلان الحرية والتغيير” في بيان “الجميع ضبط النفس والتحلي بالحكمة والعقل وعدم التفلت أو الاعتداء على أي ممتلكات حكومية أو شخصية”، مرددة شعار “سلمية، سلمية”.
وتعرض المتظاهرون خلال الأيام الماضية مرات عدة لإطلاق غازات مسيلة للدموع ومحاولات تفريق قام بها جهاز الأمن والمخابرات، بحسب منظمي التجمّع، لكنهم تمسكوا بالبقاء أمام المقرّ.
وبلغ عدد القتلى في حركة الاحتجاج المستمرة منذ كانون الأول/ديسمبر، 49، بحسب السلطات.
إلا أنّ منظّمات غير حكوميّة تؤكّد أنّ الحصيلة أكبر، مشيرةً إلى أنّ 51 شخصًا قُتلوا حتّى السبت الماضي.
اندلعت التظاهرات في 19 كانون الأوّل/ديسمبر ردًّا على قرار الحكومة رفع أسعار الخبز ثلاثة أضعاف. ثم تحوّلت إلى حركة احتجاجية غير مسبوقة في كلّ أنحاء البلاد.
وبقي البشير متمسّكاً بموقفه، وفرَضَ سلسلة إجراءات مشدّدة شملت إعلان حال الطوارئ في أنحاء البلاد، اعتُقل على أثرها صحافيّون وناشطون.
– ردود فعل –
وعلى صعيد ردود الفعل الخارجية، تفاوتت مواقف المجتمع الدولي بين من سارع إلى انتقاد الانقلاب العسكري ومن دعا إلى الهدوء وضبط النفس، في حين سيجتمع مجلس الأمن الدولي الجمعة في جلسة مغلقة لبحث التطورات السودانية.
وقال الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش في بيان امتنع فيه عن إدانة الانقلاب العسكري إنّه “يجدّد دعوته إلى الهدوء وإلى التزام الجميع أكبر قدر من ضبط النفس”، معرباً عن أمله في “أن تتحقّق التطلّعات الديموقراطية للشعب السوداني من خلال عملية انتقالية مناسبة وشاملة”.
من جهته قال رئيس المفوضية الأوروبية موسى فقّي في بيان إنّ “سيطرة الجيش على السلطة ليست الحلّ المناسب للتحدّيات التي يواجهها السودان ولتطلّعات شعبه”، مؤكّداً أنّ مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي سيجتمع “بسرعة لبحث الوضع واتّخاذ القرارات المناسبة”.
وفي نيويورك أفاد دبلوماسيون أنّهم يتوّقعون أن يعقد مجلس الأمن جلسة مغلقة الجمعة لبحث الوضع في السودان، وذلك بعدما طلبت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وبلجيكا وبولندا عقد هذه الجلسة.
من ناحيتها أعربت القاهرة عن ثقتها ب”قدرة الشعب السوداني وجيشه” على تجاوز المرحلة بعد الإطاحة بالبشير.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخميس إنّه يأمل أن يتّجه السودان نحو “عملية ديموقراطية طبيعية” بعد الانتفاضة التي أدّت إلى إطاحة الجيش بالرئيس عمر البشير، الحليف الوثيق لتركيا.
وفي لندن طالبت منظمة العفو الدولية “السلطات السودانية بتسليم عمر البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية” التي تلاحقه بتهم ارتكاب “بعضٍ من أبشع انتهاكات حقوق الإنسان في عصرنا”.