فنزويلا.. حلقة جديدة في صراع النفوذ وسط مخاوف من حرب باردة جديدة

في ضوء تصاعد وتيرة الأحداث وتباين الرؤى بين القوتين الأكبر في العالم أصبحت فنزويلا حلقة جديدة في صراع النفوذ الأمريكي الروسي وسط مخاوف من بوادر حرب باردة جديدة.
وتنظر روسيا الى الموقف الامريكي حيال فنزويلا على انه انعكاس لتوجه واشنطن لتقويض النظام العالمي الذي تبلورت مبادئه وقواعده بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة أسس القانون الدولي المتمثلة باحترام سيادة الدول المستقلة وعدم التدخل في شؤونها ومنح الشعوب الحق في تقرير مصيرها ومعالجة مشاكلها الداخلية بنفسها ودون ضغوط واملاءات خارجية.
وفي الوقت نفسه تتهم الولايات المتحدة موسكو بتصعيد التوتر في فنزويلا من خلال دعم نظام الرئيس نيكولاس مادورو ضد زعيم المعارضة خوان غوايدو الذي أعلن نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد ويحظى بدعم واشنطن.
وفي محادثات مباشرة نادرا ما تحدث سيعقد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف والأمريكي مايك بومبيو لقاء في فنلندا الأسبوع الجاري وسط تنامي خلافات البلدين تجاه الأزمة السياسية في فنزويلا.
وسبق الاجتماع اتصال هاتفي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الامريكي دونالد ترامب ركز على الوضع في فنزويلا وعلى ضوء نتائجه تقرر ان يقوم وزير الخارجية الفنزويلي خورخيو اريازا بزيارة عاجلة الى موسكو اليوم الاحد لإجراء مباحثات مع لافروف.
وعلى الرغم من تشكيك المراقبين في امكان توصل لافروف وبومبيو الى تفاهم حول تسوية الوضع في فنزويلا نظرا للتباين الكبير في وجهات نظر الجانبين حيال القضية التي باتت تهدد بحدوث مجابهة غير محسوبة العواقب ليس فقط على الصعيد الاقليمي بل الدولي كذلك إلا انهم يجمعون على ضرورة بلورة حل يسمح بالخروج من الازمة وتجنب عواقب استمرارها واستعار فتيلها.
ويرى مراقبون في موسكو ان حل الازمة في فنزويلا يمر عبر اقامة حوار وطني شامل بمشاركة جميع القوى السياسية وبما يمكن أن يفضي الى اتفاق حول اجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة تحت اشراف الامم المتحدة.
ويبدو هذا الحل مقبولا لأنه يعيد الكرة الى ملعب الشعب الفنزويلي الذي ترى موسكو انه المعني بتقرير مصير بلاده من جهة ولأنه يشكل فرصة لحفظ ماء وجه واشنطن التي تهدد باستخدام القوة ويحول دون وقوع حرب أهلية لن تقتصر آثارها على فنزويلا بل ستعم مناطق واسعة في أمريكا اللاتينية.
وقال رئيس لجنة المجلس الفيدرالي للسياسة الاعلامية ألكسي بوشكوف في لقاء عقده مؤخرا مع الصحفيين الاجانب “ان الموقف الامريكي من فنزويلا يعد استمرارا للنهج الذي خطته واشنطن في تدمير نظام العلاقات الدولية وان هذا النهج انعكس في انسحاب واشنطن من عدد من المعاهدات الدولية المهمة في مجال نزع السلاح أبرزها معاهدة الدفاع الصاروخي واتفاقية الحد من الصواريخ قريبة ومتوسطة المدى اضافة الى انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع ايران”.
وتنظر موسكو بقلق كبير الى التهديدات الامريكية باستخدام القوة ضد فنزويلا وفرض حزم متتابعة من العقوبات ضدها وترى في ذلك عاملا يعيق التوصل الى تفاهم حول سبل معالجة هذه الازمة على اساس القانون والاعراف الدولية.
وهذا ما أكد عليه لافروف في تصريح صحفي أدلى به على هامش زيارته لعاصمة اوزبكستان طشقند قبل يومين حين قال “إني لا أرى أفقا لحدوث تقارب في مواقف روسيا التي تستند في معالجتها للازمة في فنزويلا على ميثاق الامم المتحدة وقواعد القانون الدولي وموقف واشنطن التي تقوم بتعيين رئيس في دولة أخرى وتطالب السلطات الشرعية في فنزويلا بالاستسلام وترافق ذلك بتهديدات متواصلة باستخدام القوة”.
كما يثير قلق روسيا عودة الادارة الامريكية للعمل بعقيدة (مونرو) التي تعتبر أمريكا اللاتينية منطقة نفوذ حصري للولايات المتحدة وترى موسكو في ذلك “إهانة ليس فقط للشعب الفنزويلي بل لأمريكا اللاتينية برمتها”.
وأعادت الاتهامات المتبادلة بين موسكو وواشنطن حول فنزويلا وغيرها من مناطق النزاع في العالم الى الاذهان أجواء الحرب الباردة بكل ما تحمله من مخاوف من حدوث مجابهة بين القوتين النوويتين الاعظم في العالم خاصة مع تعالي الاصوات في واشنطن التي تطالب بحسم الوضع في فنزويلا عسكريا وتوجيه التهم لروسيا بالتدخل في الشأن الفنزويلي أمنيا وعسكريا.
وكان وزير الخارجية الامريكي بومبيو اتهم روسيا مؤخرا بأن لها صلات وثيقة بمن وصفهم العاملين في أجهزة الامن بفنزويلا فضلا عن وجود مستشارين عسكريين لها هناك يشرفون على ادارة منظومات صاروخية من طراز (اس 300) وهو ما نفته روسيا.
ولم يتردد بومبيو في وصف روسيا وكوبا بالدولتين المعاديتين “اللتين لا يتوجب ان يكون لهما موطئ قدم بالقرب من الحدود الامريكية”.
وكانت الازمة في فنزويلا تصاعدت بعد ان نصب زعيم المعارضة غوايدو نفسه رئيسا لفنزويلا في 23 يناير الماضي في خطوة سارعت واشنطن للاعتراف بها وتبعتها في ذلك عدة دول في أمريكا اللاتينية والاتحاد الاوروبي فيما أعلنت روسيا وايران وتركيا وسوريا وكوبا وبوليفيا ونيكاراغوا والصين وسلفادور والمكسيك تمسكها بالاعتراف بالرئيس مادورو رئيسا لفنزويلا.