عائلة كاملة دفنت تحت الركام.. شهود يروون تفاصيل القصف السعودي على العاصمة صنعاء
خيّم السكون على حي الرباط وسط صنعاء وبدت الحركة فيه متوقفة، بعد أن خلد سكانه إلى النوم عقب صلاة الفجر، شأنهم شأن اليمنيين الذين يبدأ يومهم الرمضاني مع صلاة الظهر، بينما تمر ساعات الصباح وهم يغطون في سبات عميق.
كان عمر صالح يحاول أن يغفو، قبل أن يستيقظ على وقع انفجارات عنيفة إثر غارات شنتها مقاتلات التحالف السعودي الإماراتي اليوم الخميس في عدد من المواقع بالمدينة الهاجعة، وما لبث أن أيقن أن الغارات تستهدف مواقع عسكرية للحوثيين.
غير أن صوتا هادرا اقترب من أذنه وأعقبه انفجار عنيف هشّم زجاج النوافذ، ليقفز إلى الغرفة المجاورة حيث ينام أطفاله. يقول للجزيرة نت “شعرت بأن الغارة في منزلي، وبقيت أتحسس أطفالي الذين ذُعروا من قوة الانفجار”.
ويضيف “بعد ثوانٍ أدركت أننا ما نزال أحياء بعد لحظات من الرعب، لكن المؤكد أن الصاروخ سقط في الجوار وأن كارثة قد حلت، ففي الحي الذي أسكنه لا توجد أي منشآت أو أهداف عسكرية، بل منازل فقط”.
سخط ووعيد
وكانت إحدى الغارات قد استهدفت منزلا شعبيا من طابقين قرب مدرسة “نسيبة” في الحي المزدحم بالسكان، الذي يحوي أيضا مركزا تجاريا وأسواقا شعبية تمثل أهم المقاصد لبيع المواد الغذائية لسكان المدينة.
تدافع عشرات المدنيين إلى المنزل المنكوب لانتشال الضحايا، ومن بينهم عمر الذي قال “بدأنا نزيح الأنقاض وكان الضحايا يستغيثون، وكنا نخشى من غارة أخرى، فالعدوان (التحالف) كان قد قصف المسعفين في حوادث سابقة”.
ظل أحد المسعفين ينادي على مسعف آخر “اسحب رجله.. اسحب رجله (يقصد أحد الضحايا)”، في الوقت الذي كان عدد منهم يزيلون الأنقاض وهم يرددون “لا إله إلا الله.. الشهيد حبيب الله”، ويحاولون الحصول على دثار لجمع أشلاء جثة.
في الجوار، كان الجرحى يسيرون والدماء تنزف منهم بحثا عن سيارات تقلهم إلى المستشفيات، بينما لم يتوقف عويل وبكاء النساء والأطفال من المنازل المجاورة.
ووفق عمر صالح، فإن أكثر الجرحى تعرضوا لإصابات بسبب تهشّم زجاج النوافذ، وبلهجة غاضبة يقول “لقد أرعبونا في شهر رمضان، لكننا سننتقم ولن نسامحهم”.
وبدت بعض السيارات والمنازل متضررة بصورة كبيرة، وتهشمت النوافذ في منازل مجاورة، وسيطرت مشاعر الغضب والانتقام على الجموع الذين تحلّقوا حول الحادث، متوعّدين السعودية والإمارات بالانتقام.
وكان أحد المسعفين يحث الناس على الدعاء ضد التحالف، يقول “لم يقرؤوا حسابا (التحالف) لحرمة رمضان ولا حرمة قتل النفس البريئة.. هؤلاء مجرمون مجرمون أوغلوا في الإجرام، لكن ربنا سيقتص لكل مظلوم”.
استهداف متعمد
وقال المتحدث باسم وزارة الصحة في حكومة الحوثيين يوسف الحاضري، إن القصف أسفر عن مقتل ستة أشخاص -بينهم أربعة أطفال- من أسرة واحدة، وإصابة 52 آخرين.
وأشار الحاضري إلى أن الحصيلة مؤهلة للارتفاع نتيجة النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية في المستشفيات، وأن مستشفى الكويت يعاني من نقص الإمكانيات اللازمة لاستقبال الحالات الحرجة.
وأضاف أن “ما حدث هو استهداف متعمد للمدنيين، وجريمة تضاف إلى سجل الجرائم الوحشية للعدوان”.
ودعا المسؤول في حكومة الحوثيين الأمم المتحدة ومنظماتها للنزول إلى الموقع المستهدف، والتحقيق وتوثيق طبيعة الهدف الذي استهدفته المقاتلات الحربية، لإطلاع اليمنيين والعالم بما حدث.
في المقابل، أعلنت قيادة التحالف أنها نفذت عمليات جوية على أهداف عسكرية مشروعة “أكدت المعلومات العسكرية والاستخبارية أنها تشمل قواعد ومنشآت عسكرية ومخازن أسلحة وذخيرة للمليشيات الحوثية”.
وأضافت القيادة في بيان لها اطلعت عليه الجزيرة نت “حققت هذه الطلعات الجوية أهدافها بكل دقة”، وأكدت أنها “ستستمر عمليات قوات التحالف بما يتوافق مع القانوني الدولي الإنساني وقواعده العرفية حتى يتم تحييد هذه الأهداف العسكرية والمشروعة، ولكيلا تتمكن المليشيات الحوثية من استخدامها”.
لم تكن الأولى
وتذكّر الحادثة بحوادث مماثلة راح فيها مدنيون في صنعاء، من بينها القصف الذي استهدف منزلا بحي عطان في أغسطس/آب 2017، الذي أدى إلى مقتل 14 مدنيا بينهم خمسة أطفال، ليقر التحالف بعدها أن القصف كان نتيجة “خطأ تقني”.
وكان الحادث يومها قد وقع بعد يومين من مقتل مدنيين في غارة شرقي المدينة، وذكرت حينها المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن ضربات جوية شنها التحالف أدت إلى مقتل 42 مدنيا.
وفي ديسمبر/كانون الأول من ذات العام، قصف التحالف منزل علي الحربي في حي “عَصِر”، مما أدى إلى مقتل 11 مدنيا بينهم أربعة أطفال وامرأتان، ليشهد الحي قصفا مماثلا بعد خمسة أشهر، إذ استهدفت غارة منزل عبد الرحمن الريسي الذي قُتل مع زوجته واثنين من أطفاله بينما أصيب أربعة آخرون.
ولم ينس السكان القصف الذي استهدف معتقلين لدى الحوثيين في سجن الشرطة العسكرية، مما أدى إلى مقتل نحو أربعين معتقلا وإصابة ستين على الأقل، ووفق تحقيق لمنظمة “سام” (غير حكومية) فإن التحالف ربما كان على علم بأن المبنى المستهدف يحوي معتقلين مدنيين.
غير أن الحادث الذي لن يُمحى من تاريخ المدينة، فهو القصف الجوي على صالة عزاء جنوبي المدينة أواخر العام 2016، مما أدى إلى مقتل 140 شخصا وإصابة 525 آخرين، بينهم مسؤولون بارزون.