عبد الكريم الزبيدي.. هل يكون رئيس تونس المقبل؟
رغم أنه لم يفصح عن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية حتى الآن فإن أطرافا عديدة في تونس تدفع وزير الدفاع الحالي عبد الكريم الزبيدي للتقدم إلى الانتخابات المبكرة المقررة يوم 15 سبتمبر/أيلول المقبل، في ظل حملة مناشدة واسعة اجتاحت مواقع التواصل، في حين ينظر آخرون بحذر وترقب لقدوم هذا الرجل “الصامت والغامض”.
ورغم سكوته وتحاشيه الخوض إعلاميا في نوايا ترشحه فإن بعض المراقبين يرون أن الزبيدي أصبح منطقيا في حكم المرشح رسميا للانتخابات الرئاسية بعد جمع أكثر من التزكيات اللازمة، في وقت لم تعبر حركة النهضة عن أي تحفظ تجاه الرجل.
ويبدو أن الطريق أصبح مفتوحا أمام ترشح الزبيدي بمقتضى تجميع أكثر من عشر تزكيات من قبل نواب البرلمان.
وبحسب القانون الانتخابي، يتعين على المرشح للرئاسية حصوله على تزكيات عشرة نواب أو أربعين من رؤساء البلديات أو 10 آلاف شخص من الناخبين موزعين على عشر دوائر انتخابية.
حملة مناشدة
ووصف الزبيدي -الذي برز في آخر مراحل حياة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي الذي توفي يوم 25 يوليو/تموز الماضي- بأنه مقرب من الرئيس والرجل المخلص الذي ظهر دوما بالقرب منه، سواء في المستشفى العسكري الذي فضل السبسي العلاج فيه أو في مكتبه بقصر قرطاج في ضواحي العاصمة تونس.
وتسوّق حملة مناشدة على مواقع التواصل صورته على أنه “المنقذ المنتظر” الذي سيملأ فراغ الرئاسة، وأطلقت هذه الحملة أطراف يقول مراقبون إنها محسوبة على “لوبيات” الساحل (منطقة وسط شرق البلاد ينحدر منها حكام تونس وأصحاب النفوذ السياسي منذ الاستقلال).
كما تروج بعض الوجوه الصحفية على صفحاتها وفي بعض المنابر الإعلامية لصورة الرجل غير المتحزب سياسيا على أنه “النموذج المثالي” لرجل الدولة بحكم تقلده مناصب عدة في الدولة منذ فترة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، مرورا بفترة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وصولا إلى فترة حكم الباجي قايد السبسي.
والزبيدي (69 عاما) هو طبيب متحدر من مدينة رجيش في محافظة المهدية بالساحل، وقد تقلد مناصب عدة داخل الجامعة والمستشفيات التونسية بين 1982 و1999، وكان سكرتيرا للدولة مكلفا بالبحث العلمي سنة 1999، ووزيرا للصحة خلال فترة حقبة بن علي في 2001.
وعين لأول مرة وزيرا للدفاع عقب سقوط النظام السابق بين 2011 و2013، قبل أن يعود إلى نفس المنصب بعد تحوير وزاري لرئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد في 2017.
لوبيات الساحل
وفي السياق، يقول رئيس حزب حركة وفاء والحقوقي عبد الرؤوف العيادي للجزيرة نت إنه ليس لديه تحفظ على شخص الزبيدي، لكنه عبر عن استغرابه من ظهوره المفاجئ مدعوما بحملة مناشدة لم يستبعد أن تقف وراءها “لوبيات” من رجال الأعمال ينتمون لمنطقته بالساحل “ويسعون إلى حكم البلاد من وراء الستار”.
ولم يستبعد إمكانية دعمه المفاجئ من رجال أعمال نافذين على غرار رضا شرف الدين (نائب بالبرلمان من الساحل)، أو كمال اللطيف صديق بن علي السابق و”العقل المدبر” لصعوده إلى سدة الحكم في 1987، مشيرا إلى أن الزبيدي شخصية من التكنوقراط ولم تكن لديه أي رغبة في مواصلة تقلد مسؤوليات بحسب مواقفه السابقة.
وعن حظوظ فوز الزبيدي في ظل كثرة المرشحين للرئاسيات وتدهور مؤشر ثقة الناخبين في السياسيين، يقول العيادي إن الرجل ليست لديه شعبية أو أي برنامج ولم تعرف عنه مواقف، سواء على المستوى الأمن القومي أو السياسة الخارجية، وهي أهم صلاحيات الرئيس التونسي حسب الدستور.
ومن المرتقب أن تترشح شخصيات عدة للانتخابات الرئاسية، أبرزها رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد، والرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي، ورئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر، وزعيم حزب التيار الديمقراطي محمد عبو، وزعيم الجبهة الشعبية اليسارية حمة الهمامي.
تباين الآراء
وعلق بعض المراقبين على الحملة الدعائية لترشح الزبيدي بأنها مجرد “اندفاع عاطفي” للتسويق لصورة رجل قادم مما وصفوها بالدولة العميقة، منتقدين غياب أي مواقف مميزة للرجل وطنيا ودوليا تسمح بإبراز شخصيته أو برامجه يتم على أساسها تقييمه واختياره من ضمن المرشحين.
كما سخر آخرون مما اعتبروها حملة دعائية “غبية” للترويج لصورته بأنه نجح في تنظيم الجنازة الوطنية لقايد السبسي، مستغربين من كيفية حسم الناخبين اختيارهم بترشيحه لمجرد تنظيم جنازة شاركت فيها كل مؤسسات الدولة دون التطرق إلى برامجه في محاربة الفساد أو الفقر أو غيرها.
ويرى المدافعون عن ترشيح الزبيدي أنه سيخرج عن صمته قريبا للإعلان عن برنامجه الانتخابي بشكل رسمي بعد جمع التزكيات المطلوبة، معتبرين أن حملة الانتقادات والتشويه التي يتعرض لها حاليا على مواقع التواصل تعكس خوف منافسيه من فوزه بكرسي الرئاسة من الدور الأول.
ويشهد هؤلاء بالدور الذي لعبه الزبيدي في حماية الانتقال الديمقراطي منذ 2011 في ظل الهجمات ضد قوات الجيش والأمن وتصاعد المخاطر الأمنية بسبب التوترات في ليبيا، معتبرين أنه رجل متعفف من المناصب السياسية، وأن تسويقه على أنه مدعوم من اللوبيات أو الجيش مجرد تشويه.
مرشح توافقي
وكتب العضو السابق في الهيئة المستقلة للانتخابات سامي بن سلامة تدوينة في صفحته على فيسبوك قال فيها إنه لا يتوقع قبول الزبيدي بالترشح للانتخابات الرئاسية إلا إذا كان مدعوما بقوة ولو بصفة غير معلنة من القيادات الكبرى للجيش التونسي ومن بعض الأحزاب السياسية على غرار حزب نداء تونس الذي أسسه الباجي قايد السبسي في 2012، إضافة إلى دعمه من الخارج.
وكان رئيس حركة النهضة ر اشد الغنوشي أعلن أن الزبيدي صديق لحزبه، وأنه عمل في إطار الحكومة التي كان يرأسها أمينها العام السابق حمادي الجبالي في 2012، لكن بن سلامة اعتبر أن هذا التصريح يهدف إلى خلط الأوراق والإيحاء بأنه قد يكون مرشحا توافقيا للحركة من أجل إضعاف حظوظ فوزه.
من جانبه، يقول عضو المكتب السياسي لحركة النهضة محمد القوماني إن حزبه سيعقد قريبا اجتماعا لمجلس الشورى للنظر في إمكانية ترشيح مرشح للرئاسية من داخلها أو البحث عن شخصية توافقية مستقلة وجامعة ومطمئنة، مشيرا في نفس الوقت إلى أنها تنظر بتقدير إلى الزبيدي كشخصية تتوافر فيها المواصفات المطلوبة.
ويضيف القوماني للجزيرة نت أن “الزبيدي لم يفصح شخصيا عن رغبته بالترشح، لكن إذا أعلن ذلك سيكون إحدى الشخصيات المطروحة للبت فيها من قبل هياكل حركة النهضة”، مبينا أن تقديم فترة قبول الترشحات للانتخابات الرئاسية المبكرة من 2 إلى 9 أغسطس/آب المقبل سيجعل حركة النهضة تحسم أمرها بسرعة.
المصدر : الجزيرة