إعلامالولايات المتحدةصوت و صورة

الإعلام والعلاقات العامة والسياسة: قدرة الحملات الدعائية على حشد الرأي العام حتى ولو بقصص مزيفة

تحل اليوم الذكرى التاسعة والعشرون لبدء حرب الخليج الثانية، حيث اجتاح الجيش العراقي في الثاني من أغسطس/ آب عام 1990 الأراضي الكويتية، ووصل إلى العاصمة الكويت دون أي مقاومة تُذكر.

والثابت تاريخيا أن الولايات المتحدة قادت تحالفا من الجيوش الغربية والعربية لطرد القوات العراقية من البلاد، لكن القصة وراء هذا الحشد ترجع لما عُرف لاحقا بـ “كذبة الحضّانات”.

في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول عام 1990، استمعت لجنة حقوق الإنسان في الكونغرس الأمريكي لشهادة من “ناجية كويتية”، كانت في الخامسة عشرة من عمرها، آنذاك، قالت إنها كانت متطوعة في إحدى المستشفيات أثناء الغزو العراقي.

وقالت الناجية، التي لم تُعلن هويتها بدعوى حماية عائلتها في الكويت، إن الجنود العراقيين اقتحموا المستشفيات، “وفصلوا خراطيم الأكسجين عن حضّانات الأطفال الرضع، وسرقوا الحضّانات وتركوا الرضع فريسة للموت على الأرض الباردة”.

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي ترددت فيها قصة الحضّانات، لكن هذه الشهادة كانت أول توثيق من “شاهدة عيان”، وحولت مسار التحقيقات بشأن حرب الخليج، وساعدت في حشد الرأي العام الأمريكي لصالح الحرب؛ إذ بات يتابع بشغف جلسات البرلمان حول قرار الحرب، والتقارير التليفزيونية التي كررت نفس الرواية.

 

وتكررت الشهادة في محافل عدة، إذ أعاد سردها ممثل الكويت أمام مجلس الأمن في الأمم المتحدة، وكانت أحد ركائز التصويت لصالح التدخل العسكري في الكويت ضد العراق.

كما تبنت منظمة العفو الدولية (أمنستي) الرواية، ونشرتها ضمن شهادات مجهّلة أخرى توثق للقصة نفسها.

وزاد عدد الضحايا المزعومين من الرضع مع تواتر الروايات؛ فقال البعض إنهم 22 طفلا، ثم قال ممثل الكويت أمام مجلس الأمن إنهم 40، ليصل الرقم إلى 312 طفلا قتيلا في تقرير أمنستي.

ووصلت القصة إلى الرئيس الأمريكي آنذاك، جورج بوش الأب، الذي ذكرها في إحدى خطاباته المنددة باجتياح الجيش العراقي للكويت.

متظاهرون كويتيون ضد اجتياح العراق لبلدهم عام 1992مصدر الصورةGETTY IMAGES
Image captionمتظاهرون كويتيون ضد اجتياح العراق لبلدهم عام 1992

ما بعد الحرب

وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، في عام 1992، تبين أن قصة الحضّانات غير دقيقة، وأن الناجية التي تحدثت أمام الكونغرس لم تكن في الكويت وقت الاجتياح العراقي.

أما عن هويتها، فتبين أنها تُدعى نيرة ناصر آل صباح، ابنة السفير الكويتي في الولايات المتحدة، وأن الشهادة بأسرها كانت جزءا من حملة دعائية استهدفت حشد التأييد للتدخل العسكري في حرب الخليج.

واستطاعت نيرة الوصول إلى اللجنة التي استمعت إلى شهادتها عن طريق نائب رئيسها، وعضو الكونغرس عن ولاية كاليفورنيا، توم لانتوس. وكشفت التحقيقات أن لانتوس كان على علم بحقيقة هوية نيرة، وأنه حجبها عن أعضاء اللجنة.

وكشفت اللجان الحقوقية، التي أُرسلت إلى الكويت لإحصاء خسائر الحرب، أنه لا يوجد دليل على حدوث قصة الحضّانات، وأن الحضّانات بقيت في المستشفيات الكويتية ولم يمسها أحد، مقارنة بمعدات طبية أُخرى سُرقت مثل كراسي علاج الأسنان.

وقال السفير الكويتي، في حوار لهيئة الإذاعة الكندية، عام 1992، إن إخفاء هوية ابنته كان بهدف سلامتها، وإنها لم تكن مهمة بقدر أهمية القصة، التي أصر على صحتها.

وعن الحضّانات التي عثرت عليها اللجان أثناء الإحصاء، قال السفير الكويتي إنها حضّانات جديدة اشترتها حكومة بلاده بعد الحرب.

وتوالت التقارير الاستقصائية للبحث في حقيقة الأمر، فتبين أن الشاهدة تلقت تدريبات في مواجهة الجمهور وطريقة الإلقاء، عن طريق إحدى شركات العلاقات العامة.

وفي حين تبين أن رئيس هذه الشركة هو نفسه كبير العاملين في البيت الأبيض آنذاك، كريغ فولر، كُشف عن أن الشركة هي ذات الشركة التي تدير حملة تدعمها الحكومة الكويتية، تحت اسم “مواطنون من أجل الكويت الحرة”، تهدف لحشد الدعم، وتعبئة الرأي العام لصالح الكويت في حربها ضد العراق.

وتعتبر هذه الواقعة مثالا يُدرّس، حتى الآن، في قدرة الحملات الدعائية على حشد الرأي العام لدعم قضية ما، حتى ولو بقصص مزيفة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى