السودان

“شرقت شرقت.. عطبرة مرقت”.. قطار الثورة بالخرطوم مجددا

للمرة الثانية أطل قطار عطبرة -مهد الثورة السودانية- عصر السبت على ثوار الخرطوم محملا بآمال الثورة السودانية، وتزامن وصوله مع مراسم التوقيع النهائي على وثائق الفترة الانتقالية مما يمهد الطريق لدولة مدنية.

وولع السودانيين بالقطارات قديم قدم القطار في السودان، لكن اللافت في الثورة السودانية هو ولع الثوار بقطار عطبرة الذي تهوى الأفئدة استقباله كلما حل على العاصمة الخرطوم.

وسبق أن منح هذا القطار الثورة زخما عندما وصل في رحلة مشابهة إلى ميدان الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش في 23 أبريل/نيسان الماضي.

وتمثل مدينة عطبرة بولاية نهر النيل مهد الثورة السودانية، إذ انطلقت منها شرارة الاحتجاجات في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، عندما تظاهر طلاب المدرسة الصناعية في المدينة احتجاجا على شح الخبز وغلائه، وهي الاحتجاجات التي أطاحت بنظام عمر البشير.

محطات الاستقبال
ووصل القطار ساحة الاستقبال الرئيسية في ميدان شروني وسط الخرطوم عند الساعة الخامسة بتوقيت السودان، ليجد الساحة وقد اكتظت بحشود المستقبلين، وكان مضطرا للسير ببطء بعد أن سارت المواكب أمامه على القضبان.

وللمرة الثانية قاد السائقان خالد النص ومحمود حسنين قطار عطبرة للخرطوم قاطعين مسافة 310 كيلومترات خلال 21 ساعة، في رحلة عادة ما تستغرق نحو أربع ساعات فقط، لكن امتلاء القطار وحشود المستقبلين على طول الطريق جعلت هذه الرحلة الأطول في تاريخه.

وتم استقبال قطار ثوار عطبرة في مدينتي الدامر وشندي في ولاية نهر النيل وعند مدينة الجيلي شمالي ولاية الخرطوم، حيث نحرت الذبائح إكراما للثوار.

ومن ثم أهلّ قطار عطبرة على أحياء الكدرو والدروشاب وحلفاية الملوك بالخرطوم بحري، قبل أن يتوقف لتحية ثوار شمبات إحدى أهم أيقونات الثورة.

شمس عطبرة
وعاد الهتاف المحبب لجماهير عطبرة في ميدان شروني بالخرطوم، عندما بادل المستقبلون ركاب القطار هتاف: “شرقت شرقت.. عطبرة مرقت”، أي خرجت، فضلا عن ترديد شعارات مطالبة بالقصاص لشهداء الثورة.

وملأت الدموع مآقي الجميع في ساحة شروني وهم يستقبلون القطار، قبل أن يمضي الجميع إلى ساحة الحرية “الساحة الخضراء سابقا” للاحتفال الجماهيري الرئيسي.

وقال ميرغني أحمد النور (70 سنة) إنه للمرة الثانية يستقل “قطار الثورة” من مدينته عطبرة إلى الخرطوم لمؤازرة الثورة والثوار، حتى يتحقق حلم الدولة المدنية وتنطوي حقبة الشمولية للأبد.

أما طلال عجبنا (36 سنة) فقد قال للجزيرة نت إن هذا القطار -أي قطار عطبرة- دائما ما يمنحه الأمل بأن هذه الثورة لن تموت، وزاد “لست من عطبرة ولا من نهر النيل، لكن هذا القطار حببني بعطبرة”.

مدينة ثورية
وعطبرة مدينة ثورية بامتياز، حيث شكلت نقابة السكة الحديدية هويتها طوال الحقب السياسية الماضية، إذ تضم رئاسة السكك الحديد بالسودان، وعرفت باسم “مدينة الحديد والنار”.

وقاومت نقابة السكة الحديدية في عطبرة الأنظمة العسكرية، ابتداء بالفريق إبراهيم عبود ومرورا بالمشير جعفر نميري وانتهاء بالرئيس المعزول عمر البشير.

ولا ينسى السودانيون قولا منسوبا للنميري عندما رفض إنشاء شارع يربط عطبرة بالخرطوم، متخوفا من وصول أهالي عطبرة إلى العاصمة على دراجاتهم الهوائية للتظاهر ضده، حيث عرف أهاليها بولعهم بالدراجات.

وبعد نحو خمسة عقود من حديث النميري، وصل أهالي عطبرة مرتين للتظاهر في الخرطوم ولكن على متن قطارهم.

وتعرض الآلاف من أهالي عطبرة -وهي مدينة عمالية- للتشريد من وظائفهم في السكة الحديدية بعد تولي البشير الحكم في يونيو/حزيران 1989، بذريعة ما عرف حينها بـ”الصالح العام”.

أمجاد القطار
ويمتلك السودان أطول شبكة سكك حديد في أفريقيا بنحو 5,978 كلم، تمتد شمالا في حلفا وبورتسودان وعطبرة والخرطوم، ووسطا في الخرطوم وود مدني وسنار والدمازين، وغربا حتى مدينة “واو” بدولة جنوب السودان.

لكن قطاع السكك الحديدية في البلاد شهد تدهورا في ظل عدم القدرة على شراء عربات جديدة أو جلب قطع الغيار جراء العقوبات الاقتصادية الأميركية.

ويأمل عمال السكة الحديدية على امتداد البلاد عامة وعطبرة خاصة، في إعادة أمجاد القطار الذي شكل وجدان السودانيين، وظهر ذلك في ثقافتهم وغنائهم وأشعارهم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى