من اديب السيد (تحليل اخباري) موسكو – 27 – 8 (كونا) — مهدت القمة الروسية التركية بمدنية جوكوفسك في ضواحي موسكو اليوم الثلاثاء الطريق امام عقد القمة الثلاثية للدول الضامنة لمسار استانا (روسيا وايران وتركيا) في سبتمبر المقبل دون ان تثني موسكو عن هدفها في القضاء على بؤرة التوتر في ادلب.
وفي الوقت نفسه حظى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بموافقة روسيا على إقامة منطقة امنة على حدودها الجنوبية مع سوريا شريطة التزام انقرة بسيادة سوريا واستقلالها وان تشكل هذه المنطقة ظرفا مساعدا لضمان سلامة الاراضي السورية.
ولم تتراجع روسيا قيد أنملة عن عزمها على القضاء على ما تسميه “بؤرة الارهاب في ادلب” وعدم السماح بان تشكل ملاذا “للإرهابيين” والاكثر من ذلك استخدامها لشن هجمات ضد القوات السورية والقاعدة الجوية الروسية في حميميم في ضواحي اللاذقية.
وكان من الطبيعي ان تحظى تطورات الوضع في سوريا وخاصة اقليم ادلب بحيز كبير خلال المباحثات التي اجراها الرئيس الروسي مع نظيره التركي لاسيما في ضوء المعادلة التي طرحتها القيادة الروسية واقرت من خلالها بتفهمها لهواجس تركيا الامنية وفي الوقت نفسه قناعتها العميقة بضرورة القضاء على بؤرة الارهاب في ادلب التي باتت جبهة النصرة التي صنفها مجلس الامن الدولي على انها ارهابية تسيطر على 90 بالمائة من الاقليم.
وسبق للجانب الروسي ان حاول اقناع اردوغان بان ازالة الهواجس الامنية لتركيا يمكن ان تتم من خلال الاتصال المباشر مع الحكومة السورية في دمشق واحتمال العودة للعمل ب(اتفاقية اضنة) التي وقعها الجانبان في عام 1998 وتسيير دوريات عسكرية روسية تركية مشتركة على طول الحدود التركية مع سوريا.
وتدرك روسيا ان الوضع في ادلب لا يمكن فصله عن تطورات الوضع في شرق الفرات لاسيما وان التفاهمات التركية الامريكية التي تقضي بإقامة منطقة امنة هناك تشكل من وجهة نظر روسيا تطاولا على سيادة سوريا وسلامة اراضيها وهو المبدأ الذي اكدت عليه مرارا الدول الضامنة لمسار استانا.
ناهيك ان روسيا حذرت من مخاطر الاجراءات التي تتخذها واشنطن في منطقة شرق الفرات وسعيها لإقامة “دويلة” هناك بالتعاون مع بعض القوى المحلية ورأت في ذلك “محاولة لتقويض سيادة الدولة السورية على اراضيها بمحاولة اقتطاع جزء من الاراضي السورية”.
تجدر الاشارة الى ان نقاط الرقابة العسكرية التي اقامتها تركيا في ادلب عملا ب (اتفاقية سوتشي) التي وقعتها موسكو وانقرة في سبتمبر 2018 لم تساعد في منع العمليات العسكرية التي يقوم بها المسلحون انطلاقا من ادلب ولم تملك وسيلة كذلك لمنع القوات السورية لوقف الهجوم السوري واسع النطاق الذي انتهى بإحكام القوات السورية سيطرتها على مدينة خان شيخون بعد خمسة اعوام من وقوعها في قبضة الجماعات المسلحة.
وكانت مقاتلات سورية شنت غارة جوية استهدف ارتالا تركية حاولت ان تقدم الامدادات للمسلحين المحاصرين في خان شيخون الاسبوع الماضي ما اثار غضب القيادة التركية التي حشدت قوات كبيرة في منطقة الحدود الشمالية.
وبدا جليا أن الجانبين الروسي والتركي حاولا قدر الامكان التقليل من اهمية الخلافات حول ادلب وعموم الوضع في سوريا نزولا عند رغبتهما المشتركة بعدم السماح لهذه الخلافات بتعكير صفو العلاقات الثنائية التي تتطور في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والسياحية والعلمية والمجالات الحساسة المتعلقة بالتكنولوجيا الرفيعة.
كما يسير الجانبان حاليا نحو الارتقاء بمستوى التبادل التجاري ليزيد عن 25 مليار دولار العام الماضي فيما بلغ حجم الاستثمارات المتبادلة أكثر من 20 مليار دولار ويعملان على البدء بتسوية الحسابات المتبادلة بالعملة الوطنية عوضا عن الدولار.
وتراهن روسيا كثيرا على تطوير التعاون مع تركيا في مجال الطاقة من خلال بناء محطة (اكويو) للطاقة الكهروذرية التي تنفذها مؤسسة (روس اتوم) الروسية المعنية بشؤون الطاقة النووية اضافة الى مشروع (سيل التركي) الذي سيبدأ ضخ الغاز الروسي الى تركيا قبل نهاية العام الجاري وسيمد المستهلكين في اوروبا الغربية بالغاز الروسي في مرحلته الثانية.
وجاء اختيار روسيا لمعرض (ماكس – 2019) للطيران الذي تجري فعالياته في مدينة جوكوفسك في ضواحي موسكو مكانا لعقد القمة الروسية التركية بهدف الانتقال بالتعاون العسكري بين الجانبين الى مستوى اعلى.
ولم يكن من قبيل الصدفة كذلك ان تتزامن زيارة اردوغان العاجلة الى موسكو مع البدء بشحن الدفعة الثانية من صواريخ (اس 400) الروسية المتطورة الى تركيا التي شكلت خرقا للمساحة الجيوسياسية لحلف شمال الأطلسي (ناتو).
وتسعى روسيا التي استعرضت امام الرئيس التركي أحدث منتجات المجمع العسكري الروسي في مجال الطيران الحربي مثل (سوخوي 35 ) و(سوخوي 58) إلى جر أنقرة لتعميق التعاون الثنائي بين البلدين في المجال العسكري والتكنولوجي وطرح بديل عن المقاتلات الامريكية (فانتوم 35) التي رفضت واشنطن تصديرها الى تركيا عقابا لها على شراء منظومات (اس 400) الصاروخية الروسية.
وفي هذا الصدد قال نائب رئيس الحكومة الروسية يوري بوريسوف في تصريح نقلته وكالة انباء (تاس) ان الجانب التركي ابدى اهتماما بالحصول على اسلحة روسية بما في ذلك مقاتلات من طراز (سوخوي 35) مشيرة الى أن بوتين رد بالإيجاب عندما سأله اردوغان خلال جولة قاما بها في معرض ماكس للطيران عما اذا كانت القاذفة (سوخوي 58) معروضة للبيع .
وكان الرئيسان بوتين واردوغان اجتمعا في ابريل الماضي في موسكو في اطار المجلس الاعلى للتعاون الثنائي.(النهاية) ا س / أ م س