مصر

غلاء وفقر وتراجع للاستثمار.. متى يجني المصريون ثمار برنامج الإصلاح الاقتصادي؟

في الثامن من أغسطس/آب الماضي، تسلمت مصر ملياري دولار من صندوق النقد الدولي، وهي الشريحة السادسة والأخيرة من قرض قيمته 12 مليار دولار، الذي حصلت عليه في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، مقابل تنفيذ عدة إصلاحات اقتصادية في البلاد.

ومع تسلم القاهرة آخر شرائح القرض، تبرز عدة تساؤلات على الساحة المصرية حول مدى نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي في إنعاش الاقتصاد المصري، فضلا عن موعد جني المصريين ثمار ذلك الإصلاح بعد ما تحمل أعبائه طيلة السنوات الثلاث الماضية من زيادة في الأسعار وخفض للدعم.

قياس مدى نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري من عدمه ليس أمر سهلا كما يتخيل البعض، حيث يحتاج إلى نظرة شاملة على كافة القطاعات الاقتصادية بالبلاد، وهذا أمر صعب في ظل عدم توفر بيانات رسمية أو غير رسمية يمكن الاعتماد عليها.

برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي وضعته السلطات المصرية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي له أربعة أهداف رئيسية، هي: “ضبط قيمة العملة المحلية (الجنيه)، وزيادة الصادرات، وزيادة الاستثمار الأجنبي، والضبط المالي أو تخفيض عجز الموازنة العامة للدولة”

يعد سعر صرف العملة محور برنامج الإصلاح الاقتصادي، إذ قرر المركزي المصري تحرير سعر الجنيه مقابل الدولار في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2016.

وقبل قرار “التعويم”، كان سعر صرف الجنيه يساوي نحو 8.88 جنيهات للدولار، ولامس بعد أيام 18 جنيها، ليستقر حاليا عند 16.50 جنيها للدولار.

ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد ذكر الله أن “أداء الجنيه المصري بالفعل تحسن بعد قرار التعويم، حيث إنه كان يعاني بشدة قبل برنامج الإصلاح الاقتصادي، وكانت الفجوة بين السوق المحلية والأسواق البديلة (السوداء) تقارب 40% من قيمة الجنيه، وكانت مرشحة للزيادة، وذلك بسبب توجه نحو سبعة مليارات دولار لحفر تفريعة قناة السويس”.

وأوضح أن هذا التحسن يقف عند بدء سداد مصر ديونها، مشيرا إلى أن مصر تعاني من فجوة ضخمة في ما يتعلق بقطاع النقد الأجنبي تقارب 45 مليار دولار.

وعن سبب استمرار محافظة الجنيه على قيمته أمام الدولار خلال الفترة الماضية، أرجع ذكر الله ذلك لقرار بعض الدول العربية الداعمة للنظام المصري -مثل الإمارات والسعودية والكويت- تأجيل سداد مصر استحقاقات ودائع وقروض حصلت عليها خلال الفترة الماضية.

وتوقع وزير المالية المصري الدكتور محمد معيط -في تصريحات خلال الشهر الماضي- أن “بلاده تستطيع خلال العامين المقبلين القضاء على الدين نهائيًّا”.

وارتفعت ديون مصر من 2.6 تريليون جنيه في العام المالي 2016-2017 (عام التعويم)، إلى أربعة تريليونات جنيه (الدولار يعادل 16.50 جنيها) خلال العام المالي الحالي، وذلك استنادا إلى أرقام الموازنة العامة للدولة. أما فوائد الدين فارتفعت من 316 مليار جنيه إلى 570 مليارا خلال الفترة ذاتها.

ويبدأ العام المالي في مصر مطلع يوليو/تموز حتى نهاية يونيو/حزيران من العام التالي، حسب قانون الموازنة.
بعد ضبط سعر الصرف وتحسن أداء الجنيه أمام الدولار، يبقى عجز الموازنة الذي يعد الركيزة الثانية في برنامج الإصلاح الاقتصادي.

وشهد عجز الموازنة تحسنا ملحوظا، ولكنه جاء مدعومًا بزيادة في الضرائب وخفض الدعم والخدمات المقدمة للمصريين.

وخفضت الموازنة العامة للدولة خلال العام المالي الحالي دعم المواد البترولية بنسبة 40%، والكهرباء بنسبة 75%.

وخلال برنامج الإصلاح الاقتصادي رفعت مصر أسعار المواد البترولية والكهرباء أربعة مرات، آخرها في يوليو/تموز الماضي.

فعلى سبيل المثال، بعد “التعويم” قفز سعر لتر بنزين 80 (الأكثر استهلاكا) من 2.35 جنيه للتر إلى 6.75 جنيهات، وهو ما انعكس على الأسعار بالسلب، وتسبب في موجات غلاء كبيرة.

التدابير التقشفية التي اتخذتها مصر ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي أدت إلى زيادة كبيرة في معدلات الفقر، إذ وصلت إلى 32.5% خلال العام المالي 2017-2018، بينهم 5.3% في فقر مدقع بسبب ارتفاع الأسعار، بعدما كان 27.8% خلال العام المالي 2015-2016، وفق تقديرات حكومية.

غير أن تقديرات البنك الدولي مطلع العام الجاري تشير إلى أن “نحو 60% من سكان مصر إما فقراء أو عرضة للفقر”.
خلال برنامج الإصلاح الاقتصادي عوّلت الحكومة المصرية كثيرا على جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خاصة بعد “تعويم الجنيه”، لكن لم يحدث أي تحسن يذكر، حيث تباين حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر خلال السنوات الماضية، بين الصعود والهبوط.

وخلال العام المالي 2016-2017 (عام التعويم) سجلت استثمارات الأجانب نحو7.9 مليارات دولار، لتنخفض إلى نحو 7.7 مليارات دولار نهاية العام المالي الماضي 2017-2018، في حين تستهدف الحكومة الوصول إلى عشرة مليارات دولار خلال العام المالي الحالي.

وعن أسباب هذا التراجع، قال الباحث الاقتصادي سعد الدين حسين إن “السبب الرئيسي لتراجع الاستثمار الأجنبي في مصر هو سيطرة المؤسسات الأمنية والعسكرية على الاقتصاد، مما يجعل مصر بيئة طاردة للمستثمر الأجنبي”.

ومنذ الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي في صيف 2013، ويتنامى دور المؤسسة العسكرية في الحياة الاقتصادية المصرية، وتتباين التقديرات حول حجم الدور الذي يلعبه الجيش في الاقتصاد المحلي، حيث تشير التقديرات إلى أنه يمثل 50% أو أكثر من الاقتصاد المحلي، في حين يؤكد السيسي أنه لا يتجاوز 3% بأقصى تقدير.

في حين رهن أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة (شمالي مصر) محمد السعيد عودة الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر بتعافي الطلب المحلي وزيادة الاستهلاك.

وأوضح أن “أغلب المستثمرين الأجانب كانوا يلجؤون لمصر بسبب زيادة عدد السكان وارتفاع الاستهلاك، ولكن مع ضعف القوة الشرائية للجنيه المصري وقلة الاستهلاك، لم يعد الاستثمار مجديا، خاصة في ظل صعوبة التصدير”.


وعن أسباب عدم شعور المصريين بإجراءات الإصلاح الاقتصادي حتى الآن، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور محمود طلعت، أن زيادة معدلات التضخم وارتفاع أسعار السلع والخدمات المقدمة للمواطنين تحول دون ذلك.

في المقابل، يؤكد رئيس لجنة الطاقة والبيئة بمجلس النواب (البرلمان) طلعت السويدي أن المصريين بدؤوا جني ثمار الإصلاح الاقتصادي، قائلا “انظروا إلى زيادة الأجور والمعاشات”.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى