هل ينتظر الكوكب وباء يقتل 80 مليون شخص؟
حذر تقرير مستقل أعد بطلب من الأمين العام للأمم المتحدة من وجود “تهديد في غاية الخطورة” لوباء يجتاح الكوكب، ويهدد حياة حوالي ثمانين مليون شخص.
وذكر التقرير أن مسببات الأمراض المميتة التي تنتشر جوا في جميع أنحاء العالم يمكن أن تدمر حوالي 5% من الاقتصاد العالمي. ولكن العالم ليس مستعدا لمجابهة مثل هذا الوباء القاتل.
وسلطت الكاتبة والصحفية لوري غاريت -في مقالها الذي نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية- الضوء على التقرير المشؤوم الذي أصدره مجلس رصد الاستعداد العالمي العام الماضي بالتعاون مع البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية.
وأفادت الكاتبة بأن غرو هارلم برونتلاند، الرئيس السابق لمنظمة الصحة العالمية ورئيسة الوزراء النرويجية السابقة، والأمين العام للاتحاد الدولي للصليب الأحمر، الحاج آس سي، كلفوا فريقا من خبراء الصحة لدراسة التهديد المحتمل لانتشار هذا الوباء القاتل، ومدى تأهب العالم لمكافحته على جميع الأصعدة، السياسية والمالية واللوجستية.
وقد أكد التقرير أن “تواصل غياب الإرادة السياسية على جميع المستويات يقف عائقا أمام حالة التأهب. وفي حين أن قادة الدول لا يتحركون لمواجهة هذه الأزمات الصحية إلا حين تجتاح حالة من الخوف والذعر بلدانهم، لا تسخر أغلب الدول القدرات الملائمة والموارد اللازمة لمنع تحول الأمراض إلى أوبئة”.
وأضافت الكاتبة أنه رغم صيحة الفزع التي أطلقها مجلس رصد الاستعداد العالمي، لا يبدو أن الجهود الحالية لقادة العالم ستكون مختلفة عن سابقتها هذه المرة.
ويذكر أن تقارير سابقة حثت البلدان على ضرورة أخذ هذه التهديدات على محمل الجد وتسخير كامل طاقاتها للتصدي للخطر الداهم، الذي يهدد الإنسانية جمعاء.
ما الذي تغير الآن؟
أشارت الكاتبة إلى أن عددا هائلا من الفيروسات التي لم تكن معروفة في السابق -على غرار فيروس سارس وهو “متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد” الذي انتشر عام 2003- حصدت أرواح المئات من البشر والحيوانات في جميع أنحاء العالم. وخلال سبع سنوات فحسب (من 2011 إلى 2018)، واجهت منظمة الصحة العالمية معركة مع 1483 وباء.
ووفقا لدراسة أجراها مؤسسة مجلس رصد الاستعداد العالمي بتكليف من البنك الدولي، ارتفعت تكاليف احتواء الأوبئة، ناهيك عن تأثيرها الاقتصادي العام، بشكل ملحوظ. وتسبب فيروس سارس في خسائر اقتصادية عالمية جسيمة عام 2003 قدرت بحوالي أربعين مليار دولار، في حين بلغت الخسائر التي ألحقها وباء إنفلونزا الخنازير لعام 2009 حوالي خمسين مليار دولار، بينما كلف وباء إيبولا الذي اجتاح غرب أفريقيا بين عامي 2014-2016 قرابة 53 مليار دولار.
وتجدر الإشارة إلى أن الوباء الناشئ الشبيه بالإنفلونزا الإسبانية، الذي انتشر في أعقاب الحرب العالمية الأولى، كان سيكلف الاقتصاد العالمي اليوم حوالي ثلاثة تريليونات دولار، أي 4.8% من الناتج العالمي الخام.
على الصعيد الاقتصادي، أثبتت الدول الغنية أنها قادرة على مواجهة حالات الأوبئة الأخيرة، ويتوقع مجلس رصد الاستعداد العالمي أن تتمكن بلدان مثل الولايات المتحدة وألمانيا من مكافحة وباء مدمر بخسارة تقدر بأقل من 0.5% من إجمالي الناتج المحلي. في المقابل، قد يتسبب الوباء نفسه في خسارة حوالي 2% من الناتج المحلي الإجمالي بالنسبة للدول الفقيرة.
يذكر أن وباء إيبولا ألحق ببلدان غرب أفريقيا -ليبيريا وسيراليون وغينيا- خسائر قدرت بحوالي 2.8 مليار دولار، وأدى إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي لسيراليون بنسبة 20% في عام 2015.
وكشفت الكاتبة أن المخاطر تتزايد بسبب التغيرات المناخية التي تسهم بشكل كبير في تفشي الأمراض، حيث يؤدي ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة إلى زيادة في أعداد البعوض الحاملة للأمراض، وانحباس المياه السطحية تحت الطحالب السامة، وانتشار الفطريات القاتلة في المستشفيات والحقول الزراعية، وتغير أنماط هجرة الطيور التي تحمل بدورها الميكروبات إلى مناطق جديدة.
وخلال مطلع هذا الشهر، أثار انفجار غامض وقع في مركز أبحاث مسببات الأمراض المعروف باسم “فيكتور”، يعود إلى الحقبة السوفيتية الواقع خارج مدينة نوفوسيبيرسك الروسية، مخاوف من انتشار مرض الجدري والمئات من الفيروسات الأخرى التي يحتفظ بها في ثلاجات المنشأة.
وفي ظل انتشار مثل هذه المنشآت البحثية حول العالم، حيث يتم تخزين الميكروبات الفتاكة لدراستها، يوجد العديد من التسريبات التي تنتهك قواعد السلامة فيها.
الجدير بالذكر أن 279326 شخصا أستراليا أصيبوا بفيروس الإنفلونزا إتش3 أن 2 الذي انتشر في أستراليا أخيرا، ومن المتوقع أن ينتقل إلى أميركا الشمالية في غضون الأسابيع المقبلة. بالإضافة إلى ذلك، أصيب أكثر من 2384029 شخصا في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي بفيروس حمى الضنك في الأسبوع الماضي فحسب.
وأوضحت الكاتبة أن السياسات التي اتبعتها الدول التي اجتاحتها هذه الأوبئة القاتلة تعكس مدى تأهب العالم لمواجهة الأوبئة الناشئة، في ظل ارتفاع احتمالات ظهور ميكروبات منقولة جوا تكون أكثر فتكا، ولا سيما أن تقنية تغيير الجينات الفيروسية والبكتيرية أصبحت الآن سريعة وسهلة ورخيصة ودقيقة، سواء من خلال برنامج كريسبر أو حتى التلاعب الجيني الجديد.
وفي الحقيقة، لا تملك أي دولة الأساليب اللازمة والتكنولوجيا القادرة على وقف انتشار المرض بمجرد أن يقع تسريب الجراثيم من مختبرها سواء كان ذلك عن طريق الخطأ أو من قبل أطراف حاقدة.
ولسنوات طويلة وقع تجاهل المقترحات التي قدمها مجلس رصد الاستعداد العالمي لتعزيز قدرة الدول على مواجهة مثل الأوبئة القاتلة، حيث إن الجهود المبذولة حاليا غير كافية للتعامل مع الانتشار السريع لوباء فتاك، سواء كان طبيعيا أو عرضيا أو متعمدا، وتأثيره الهائل على الأنظمة الصحية والاجتماعية والاقتصادية.
فضلا عن ذلك، لم تسع البلدان للاستثمار بشكل كاف في البحث والتطوير والتخطيط لتطوير وتصنيع لقاحات بطريقة مبتكرة، وأدوية مضادة للفيروسات، وإجراء تدخلات غير دوائية مناسبة.