كتاب وآراء

ترامب يريد فترة رئاسية أخرى لذا كان على بولتون أن يرحل… “لو استمعت لبولتون لكان لدينا الآن أربعة حروب”

إعداد:#محمود_الحرح

كتب بيتر بينارت مقالاً عنوانه: «ترامب يريد فترة رئاسية أخرى، لذا كان على بولتون أن يرحل» نشره موقع ذا أتلانتك في 11 أيلول/سبتمبر 2019، فكرته الرئيسة تقول إن الرؤساء الذين استلموا مناصبهم في ظل حروب غير شعبية لا يحتملون المستشارين المولعين بالحروب لفترة طويلة.
لفهم السبب وراء عدم بقاء جون بولتون مستشاراً للأمن القومي لدونالد ترامب، يجدر بنا النظر إلى ما حصل قبل 37 عاماً، عندما رحل موظَّف آخر من الصقور من إدارةٍ جمهوريّةٍ أخرى. وكان ذلك المستشار وزيرَ الخارجية ألكساندر هيغ، وكان رونالد ريغان الرئيس آنذاك.
عندما دخل بولتون إدارة ترامب، كان مصمماً على تحويل ما رآه مكاسب إيرانية في الشرق الأوسط إلى خسائر. وعندما دخل هيغ إلى إدارة ريغان، كان مصمماً على الأمر نفسه بالنسبة للمكاسب السوفيتية في أمريكا الوسطى. ومثل بولتون، الذي دعا إلى قصف إيران، اقترح هيغ أن إيقاف المد الشيوعي في نصف الكرة الأمريكي قد يستدعي مهاجمة كوبا. وقال هيغ لنائب رئيس أركان البيت الأبيض مايكل ديفر: «أعطني الأمر وسأجعل تلك الجزيرة موقف سيارات لعين»، بحسب كتاب لو كانون (الرئيس ريغان: حياة في السياسة). وقد حث نائب مستشار الأمن القومي روبرت ماكفارلين قائلاً: «فلتُحضِر مجموعة من الإخوة من وكالة المخابرات المركزية ووزارة الدفاع والبيت الأبيض وتُشَكِّل استراتيجية لإسقاط كاسترو».
إذا اعتقد هيغ أن عجرفته ستزيد من محبة رئيسه له، فقد كان مخطئاً. فبحسب ديفر، “أخافت عدوانية هيغ رونالد ريغان كثيراً”. بعد تعليقات هيغ على كوبا، عمل ديفر ليضمن عدم التقائه بريغان لوحده. استمر وجود هيغ بهذا المنصب لمدة 17 شهراً فقط.
وهي المدة ذاتها التي قضاها بولتون في منصبه. وللسبب الرئيس نفسه: لا يحتمل الرؤساء، الذين استلموا مناصبهم في ظل حروب غير شعبية، مستشارين مولعين بالحروب، لفترة طويلة.
كان نفور ريغان تجاه العمل العسكري في كوبا متعلقاً بحرب فيتنام، وهي حرب قد انتهت قبل ست سنوات فقط من توليه لمنصبه. لقد تركت هزيمة أمريكا هناك فجوة بين مؤسسةِ سياسةٍ خارجيةٍ مؤمنة بالتزامات أمريكا المتأتية من الحرب الباردة وبين جمهور منهك من الحرب. ونتيجة لذلك، كان ريغان -السعيد بإرسال الأموال والأسلحة للمتمردين والأنظمة المناهضة للشيوعية في أمريكا الوسطى- عازماً على عدم إرسال قوات أمريكية. وعندما سُئل عام 1982 عن الظروف التي قد تدفعه إلى نشر القوات الأمريكية في السلفادور، أجاب مستهزِئاً: «حسناً، ربما إذا أسقطوا قنبلةً على البيت الأبيض، فقد أشعر بالغضب».
وبينما وصفه منتقدوه الديموقراطيون بأنه من دعاة الحرب، أدرك ريغان أنه لا يمكن لأي إدارة -بصرف النظر عن الأيديولوجيا- أن تزدهر في بيئةِ ما بعد فيتنام إذا خاطرت بحرب أجنبية طويلة.
ما كان صحيحاً بالنسبة لريغان صحيحٌ بالنسبة لترامب. غريزياً، يفهم ترامب شيئاً لا يفهمه كثير من خبراء السياسة الخارجية لحزبه: بعد العراق، تراجعت كثيراً رغبة الناس بالحرب. هذا الإدراك هو ما ساعده في هزيمة منافسيه من الصقور مثل جيب بوش وماركو روبيو في الانتخابات التمهيدية للجمهوريين.
ومثل ريغان، فهم ترامب أن الناخبين الجمهوريين يحبون إنفاق الأموال على الجيش، إلا أنهم –ما لم يكن هناك هجوم مباشر على الأمريكيين– لا يفضلون استخدامه. أعلن ترامب في وقت مبكر من حملته: «يجب أن يكون لدينا جيش عظيم، ولكن علينا التركيز على أنفسنا».
يفهم ترامب أيضاً شيئاً آخر: رغم تفضيل العديد من خبراء السياسة الخارجية الجمهوريين وجود موطئ قدم عسكرية أمريكية أكبر وراء البحار، إلا أن النظام الإعلامي المحافظ قد تغير بشكل كبير نتيجة ما حدث في العراق. إن أبرز الخبراء اليمينيين باتوا أقرب إلى الانعزالية عوضاً عن التدخل. هؤلاء يشكلون الصلة بين ترامب وقاعدته، ويذكرونه باستمرار بأن أساس حملته إنهاء الحروب وليس إشعالها.
قيل إن قصف ترامب لسورية في نيسان/أبريل 2017 قد تمَّ بناءً على نصيحة جيمس ماتيس، وزير الدفاع آنذاك، و ه. ر. ماكماستر، مستشار الأمن القومي لترامب في ذلك الوقت. عبرت آن كولتر، مُنافِسة ترامب عام 2016، إدانتها لهذه الخطوة في ظهور على فوكس بيزنس إذ قالت «علينا أن نتخلص من كل هؤلاء الجنرالات، هل انتبه أيّ منهم لحملة ترامب؟». استياء مماثل واجهه ترامب في آب/أغسطس ذلك العام، عندما أعلن ترامب أنه سيُبقي القوات الأمريكية في أفغانستان.
وعندما أعلن في كانون الأول/ديسمبر 2018 عن انسحاب القوات الأمريكية من سورية –دفع هذا الأمر ماتيس إلى الاستقالة– انفجر مضيف فوكس أند فريندز، ستيف دوسي، قائلاً: «هذا أحد الأسباب التي جعلت الناس تصوت له».
لقد صمد مستشارو السياسة الخارجية في إدارة ترامب -بما فيهم وزير الخارجية مايك بومبيو- من خلال التكيف مع هذا الواقع السياسي. أمر لم يستطعه بولتون، وهو الإيديولوجي الذي بقي يزعم حتى أواخر عام 2016 أن “غزو العراق يبرر نفسه تماماً”. لهذا السبب فقد عمله.
يقال إن ترامب عيّن بولتون لأنه كان يحب شراسته على قناة فوكس نيوز. ساعد في ذلك كون شيلدون أديلسون، أكبر ممولي حملة ترامب عام 2016، من المعجبين ببولتون. إلا أن بولتون واصل الدفع بالتوجه التدخلي المتناقض مع حدس ترامب السياسي ومحبته للصفقات الكبيرة.
شجب بولتون بشدة التجارب الصاروخية لكوريا الشمالية التي قلل ترامب من أهميتها، وعارض تقديم تنازلات لإقناع بيونج يانج بإيقاف برنامجها النووي. فكّر بالتدخل العسكري في فنزويلا، عارض صفقة سلام مع “طالبان” والمفاوضات مع إيران رغم اهتمام ترامب الواضح بكليهما. وحسبما ورد، قال ترامب: «لو كان الأمر متروكاً بيد جون، لكنّا في أربع حروب الآن».
حدث الصدع الجوهري في حزيران/يونيو، عندما أسقطت إيران طائرة أمريكية مسيّرة. وبحسب ما ورد، حث بولتون على شن هجوم أمريكي. وبعد إلغاء ترامب للضربة، وصف تاكر كارلسون، مضيف قناة فوكس نيوز، جون بولتون بأنه تهديد لإعادة انتخاب ترامب.
وسرعان ما بدأت المقالات تشير إلى أن بولتون قد فقد تأثيره. وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، عندما أصبح ترامب أول زعيم أمريكي يدخل كوريا الشمالية، لم يكن بولتون معه، بل كان كارلسون.
تزامن تخلي ترامب عن بولتون مع بدء حملة إعادة انتخابه لم يكن مفاجئاً. فكما تعلم الأمريكيون كلما اقترب ترامب من الانتخابات، كلما تبنّى هويته السياسية الأساسية. وجزءٌ من تلك الهوية مبنيٌ على الاعتقاد بأن الأميركيين ما زالوا يعيشون مرحلة إنهاك ما بعد الحرب في العراق.
ولسوء حظ جون بولتون، فإن رأي ترامب صحيح تماماً.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى