زيارة الأربعين في العراق: لماذا يتوافد ملايين المسلمين إلى مقام سيدنا الامام الحسين بكربلاء؟
يتوافد على مدينة كربلاء في العراق ملايين المسلمين الشيعة القادمين من مدن عراقية أخرى ومن خارج البلاد، لإحياء ذكرى أربعين الإمام الحسين.
وتصادف الذكرى العشرين من شهر صفر بحسب التقويم الهجري الذي يتزامن هذا العام مع تاريخ السبت 19 أكتوبر/ تشرين الأول بحسب التقويم الميلادي.
أربعين الحسين من أبرز المناسبات الدينية لدى المسلمين الشيعة، يحيونها بزيارة ضريح الحسين بن علي بن أبي طالب، ثالث الأئمة لدى الشيعة في كربلاء وضريح أخيه أبو فضل العباس المجاور له.
قتل الحسين مع أتباعه وأفراد عائلته من قبل السلطة الأموية بسبب “اعتراضه على تغيير نظام الحكم من الشورى الى الملك العضوض” في واقعة الطفّ في كربلاء عام 680 (61 للهجرة)، ودفن فيها، في المكان الذي أقيمت فيه العتبة الحسينية. ويقال إن المختار بن أبي عبيد الثقفي كان أوّل من شيّد مقاماً حول ضريح الحسين، في عام 65 للهجرة، واستمرّ تشييده على مراحل في عهد الخلفاء العباسيين.
يسمّى الضريحان بالحرمين عند الشيعة، ويضمّ مقام الحسين مسجداً يعدّ من جواهر الفنّ المعماري الإسلامي، ويمتاز بمئذنته المذهبة، والزخارف على جدرانه وقبته. يحتضن المقام مدفن الحسين، ومدافن ابنيه علي الأكبر وعلي الأصغر، و 72 من أصحابه الذين قتلوا معه.
مواساة السبايا
هذا الطقس الديني الضخم يقوم على السير لمسافات طويلة من مدن العراق الأخرى، وصولًا إلى كربلاء. فمن البصرة، تنطلق القوافل سيراً على الأقدام قبل عشرين يوماً من الأربعين. ومن إيران التي يفد منها بعض الزوار مشياً أيضاً تنطلق المسيرات قبل شهر من الأربعين. أمّا بالنسبة للزوار القادمين من دول أخرى جواً، فيحيون الذكرى بالسير على مدى يومين متواصلين من النجف حيث مقام الإمام علي بن أبي طالب، باتجاه كربلاء.
يعد السير على الاقدام أشبه بمواساة لأهل بيت الحسين الذين ساروا لمسافات طويلة بعد عودتهم من الشام. بعد واقعة الطف، سبيت زينب أخت الحسين ومن كان معها من أصحابه وأفراد عائلته وأولاده. وفي طريق عودتهم إلى المدينة، مررن بكربلاء لزيارة قبر الحسين.
تقول سارة ياسين، مدرِّسة من لبنان، زارت المقام الحسيني في الأربعين سابقاً، إن المشي وإن كان متعباً من النجف نحو كربلاء، “إلا أنّه يعد مواساة لأهل البيت، فلا نشعر بالتعب، لأننا نعرف أنّ ما سنصل إليه أجمل، وذلك الجهد يفرحنا”. وتضيف: “في هذه المسيرات الحاشدة، تنتشر على طول الطريق محطات ضيافة وطعام وماء يقدمها العراقيون لزوّار العتبة”.
العالم العربي وزيارة الاربعين
خلال زيارة الأربعين، يغادر الكثير من المسلمين الشيعة اللبنانيين بيوتهم عبر حملات منظمة، لزيارة النجف وكربلاء. وتتراوح تكلفة الزيارة بين 00 و1600 دولار. وقد انتشرت ممارسة هذا التقليد خلال السنوات العشر الماضية بشكل ملحوظ، مع تسهيلات توفرها الحملات المختصة بالزيارة. كما سهّل تبدل الوضع السياسي في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، من ممارسة المسلمين الشيعة للشعائر الدينية.
يزور الشيعة ضريح الحسين في الأربعين بشكل أساسي، ولكنهم يزورنه أيضاً في يوم عرفة، وفي ليلة القدر، إلى جانب ذكرى مقتل الأئمة أو ولادات “أهل البيت” وفي معظم المناسبات الدينية الشيعية، سواء كانت حزينة أو سعيدة.
وفي ذكرى الأربعين، يفتح العراقيون أبوابهم للزوار، وتتولى العتبة الحسينية تأمين الخدمات اللوجستية. هكذا، تمتدّ مستوصفات تطوعيّة على طول الطريق من النجف نحو كربلاء (80 كيلومتر تقريبًا)، لمساعدة من قد يعانون من وهن أو يحتاجون الى اسعاف.
تخبرنا هنا بركات، مترجمة من لبنان، عن زيارتها في سنوات سابقة للمقام الحسيني خلال الأربعين، “بعض الناس لا تنام طول الطريق، ويتكاتف الغني والفقير، في جو روحاني. والناس تتأثر كثيراً عند وصولها بعد مسير طويل إلى المقام”.
في هذه المسيرات، كلّ يحمل نذوره، وصلواته، وباتت على مرّ السنوات تقليدًا من صلب عادات المجتمع العراقي.