شاهد.. ملجأ في المغرب يعتني بالحمير المنهكة
يقترب محمد بوهريم من حماره المفضل “طومي” من دون حذر، وبحركات ود ظاهرة للعيان يمسح على ظهره وينفخ في وجهه كمداعبة يومية.
في ملجأ بهائم تحتاج لرعاية خاصة، ينتقل هذا الشاب المغربي بكثير من الاهتمام والحيوية بين الإسطبلات، يتفحص مريضا ويقدم الطعام لآخر، يستقبل الزوار والسياح وأطفال مدارس وجمعيات.
يقول هذا المشرف على الملجأ للجزيرة نت “تمنحني العناية بالحمير شعورا بالطمأنينة، وشغفي بها يعود إلى مراحل طفولتي الأولى”.
ملجأ غذاء ودواء
بقرية أومناست على بعد 25 كيلومترا بإحدى ضواحي مدينة مراكش المغربية، اختارت مواطنة بريطانية وزوجها أن تحوّل مشروعا سياحيا إلى ملجأ للحمير والبغال المنهكة يوفر لها الرعاية من غذاء ودواء.
وتقول مديرة ملجأ “جرجير” سوزان مايشيني بصوت هادئ ممزوج بنظرة حنان عميقة للجزيرة نت “يحتضن الملجأ ثلاثة أنواع من الحيوانات، وكلها تخلى عنها أصحابها بسبب عدم جدواها”.
وتوضح هذه السيدة المتقاعدة “حيوانات الصنف الأول صغيرة ولدت بتشوّه خلقي في القدمين أو الرأس، أما الصنف الثاني فتعرضت لحادثة سير، ثم الكبيرة في السن التي لم تعد تقوى على العمل”.
بدأت قصة الملجأ قبل ست سنوات مضت عندما استقبلت هذه المواطنة بضيعتها الموجودة وسط مشاريع سياحية لأجانب مولودا جديدا ماتت أمه عند ولادته، سمي فيما بعد “طومي”.
يضيف محمد ابن هذه المنطقة القروية “ولد هذا الحمار بمقر جمعية في مراكش، لم تستطع توفير مكان للعيش له، فاقترح مسؤول بالجمعية على مايشيني تبنيه ورعايته”.
ويروي محمد كمن يتذكر وقائع بعيدة “مع مرور الأيام، وبفضل مواقع التواصل الاجتماعي والعلاقات الخاصة، بدأت الحمير المريضة والمنهكة تفد على الضيعة من كل مناطق المغرب، وتضاعف عددها، فتم التفكير في إنشاء ملجأ بعدما تم التخلي عن فكرة مشروع سياحي”.
فريق منظم
بقدوم كل حيوان جديد، يكبر حلم مايشيني ومحمد بإنشاء ملجأ نموذجي للحمير المنهكة، فقد أصبح الآن يضم 108 حيوانات من كل الأصناف، ويتوقعان أن يزيد العدد في المستقبل.
تبرز السيدة مايشيني وهي تنظر إلى عامل فرغ للتو من إطعام بغل مريض “عملنا على تكوين فريق من عشرة أفراد عبر نظام خاص للرعاية، تفاني العمال وسحر الطبيعة دفعاني وزوجي تشارلز للتفكير في قضاء آخر أيام عمرنا في المغرب”.
في حين يقول الحسين أحد عمال الملجأ “تأتي الحيوانات خائفة مرعوبة، نقترب إليها بحذر، لكن ما أن تمر أيام قليلة حتى تغيّر سلوكها وتصبح أليفة”.
تبني حمار
يزور الملجأ سياح محبون للحيوانات، قادمون من أوروبا ومن أميركا ومن المغرب أيضا، يتقبل عدد منهم فكرة “تبني حمار” طيلة حياته، ويرسلون للملجأ مبلغا شهريا لطعامه ودوائه.
بينما يصل فوج سياحي في منتصف النهار إلى الإسطبل الخاص بالمرضى، يرخي محمد سلسلة علقت بجسد حمار لم يعد يقوى على المشي أو الوقوف من أجل إراحته.
ويقول محمد “عادة تنشأ بين الحمير المريضة والزوار علاقة تعاطف كبيرة، ويقبلون بكل طواعية على الاعتناء بها عن بعد والسؤال عن أحوالها”.
ويضيف “يمكننا التبني من توفير مصاريف مالية، نخصصها لاستقبال بهائم منهكة جديدة”.
تعليم وتربية
في ركن الحمير الصغيرة، تصادف أطفالا مرفقين بمؤطر تربوي، يحرص الجميع على أخذ صور سيلفي تذكارية في جو من المرح.
أكثر ما يسعد محمد، حسب تعبيره، هو أن يرى طفلا يمشط شعر حمار، أو آخر يربت على ظهره دون خوف أو وجل.
ويقول عبد السلام المدرب التربوي “يسعد أطفال المدينة بلقاء حيوان أليف له في مخيلتهم حمولة خاصة مرتبطة بالعض”.
ويضيف للجزيرة نت “لهذه الزيارات بعدٌ تعليمي تربوي، وأيضا توعوي بأهمية التعامل الحسن مع المحيط ومنه الحيوانات المريضة”.
وعي وتوعية
يرن هاتف محمد بينما يكون منهمكا في إسعاف حمار، يبدل أربطته ويدهن جروحه بمرهم خاص. ويقول محمد “غالبا ما نتلقى مكالمات تخبر بحمير متشردة تخلى عنها أصحابها”.
ويضيف “في بعض الأحيان، يستدعينا مربو حمير للنظر في أمر حمار لم يعد يقوى على العمل، وفي أحيان أخرى نستدعي بيطريا متعاونا للحالات المستعجلة التي تلزم تدخلا طبيا”.
ويقول “زاد الوعي بأهمية العناية بالحيوانات المنهكة بين عدد من مربي الحمير بفضل حملات توعوية، وهو ما يثلج الصدر ويحفزنا على المزيد من العمل”.
مغادرة
تميل الشمس قليلا إلى الغروب، يسارع محمد في إعادة جميع الحيوانات إلى مرابضها قبل أن يخلد للراحة بعد يوم عمل طويل.
يطمح هذا الشاب المغربي أن تحتضن كل مناطق المغرب مثل هذه الملاجئ، ويقول وهو يودع “طومي” الذي لا يزال راغبا في اللعب والمداعبة، “في كل كبد أجر، كلمات تجعلني أودع الملجأ وأنا راغب في العودة إليه مطلع كل يوم جديد”.