ماكرون يثير لغطا واسعا حول مصير الحلف الأطلسي.. ويتساءل ماذا لو ردت سوريا على عدوان تركيا عليها؟
وقال الرئيس الفرنسي “ما نعيشه حاليا هو الموت السريري لحلف شمال الأطلسي”.
وسيكون لتصريحات ماكرون الشديدة النبرة التي تساءل فيها حول مصير الحلف نفسه، وقع كبير قبل شهر من قمة يعقدها الحلف في لندن مطلع ديسمبر/كانون الأول في لندن.
وقال معلقا على العملية العسكرية التركية في شمال سوريا “ليس هناك أي تنسيق لقرار الولايات المتحدة الإستراتيجي مع شركائها في الحلف الأطلسي، ونشهد عدوانا من شريك آخر في الحلف، تركيا، في منطقة مصالحنا فيها على المحك، من دون تنسيق”.
وأضاف “ما حدث يطرح مشكلة كبيرة للحلف الأطلسي”.
وتابع “يجب أن نوضح الآن ما الغايات الإستراتيجية للحلف الأطلسي”، مجددا دعوته إلى “تعزيز” أوروبا الدفاعية.
ماذا لو هجم الأسد؟
وتساءل الرئيس الفرنسي خصوصا حول مصير المادة الخامسة من معاهدة الحلف الأطلسي التي تنص على تضامن عسكري بين أعضائه في حال تعرض أحدهم لهجوم.
وقال ماكرون “ماذا سيحل بالمادة 5 غدا إذا قرر نظام (الرئيس السوري) بشار الأسد الرد على تركيا، هل سنتدخل؟ هذا سؤال حقيقي”.
وأضاف مبديا أسفه “التزمنا محاربة داعش (تنظيم الدولة الإسلامية). المفارقة هي أن القرار الأميركي والهجوم التركي في الحالتين لهما النتيجة نفسها: التضحية بشركائنا على الأرض الذين حاربوا داعش، قوات سوريا الديموقراطية”.
وتُعد وحدات حماية الشعب الكردية -المكون الرئيس لقوات سوريا الديمقراطية- شريكا للتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن في قتال تنظيم الدولة.
وفي 9 أكتوبر/تشرين الأول شنت تركيا هجوما عسكريا في شمال سوريا استهدف القوات الكردية التي تعتبرها “إرهابية” وامتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمردا داميا في تركيا منذ 1984، وذلك بعد يومين على سحب واشنطن قواتها من نقاط حدودية في سوريا، ما اعتبر بمثابة ضوء أخضر لأنقرة.
أوروبا على حافة الهاوية
وقال ماكرون “الحلف الأطلسي باعتباره نظاما لا يضبط أعضاءه. وانطلاقا من اللحظة التي يشعر فيها أحد الأعضاء بأن من حقه المضي في طريقه، فهو يقوم بذلك، وهذا ما حدث”.
ولذا، يرى الرئيس الفرنسي أن “من الجوهري، من جهة، قيام أوروبا الدفاعية، حيث تمنح نفسها استقلالية إستراتيجية وعلى صعيد القدرات في المجال العسكري، ومن جهة أخرى إعادة فتح حوار إستراتيجي مع روسيا، حوارٍ خال من أي سذاجة وهو أمر سيستغرق وقتا”.
واغتنم ماكرون المقابلة للتحذير من ثلاثة مخاطر كبرى محدقة بأوروبا: أولها أنها “نسيت أنها مجموعة”، والثاني “انفصال” السياسة الأميركية عن المشروع الأوروبي، والثالث صعود النفوذ الصيني الذي “يهمش أوروبا بشكل واضح”.
وقال “هناك اليوم سلسلة ظواهر تضعنا على حافة الهاوية”.
وأوضح أن “أوروبا نسيت أنها مجموعة، بل تصورت نفسها تدريجيا سوقا هدفها النهائي التوسع”، وقد عارض أخيرا بدء مفاوضات انضمام مع شمال مقدونيا وألبانيا.
والخطر الثاني بنظره هو الولايات المتحدة التي تبقى “شريكنا الكبير” غير أنها تتجه بأنظارها إلى مكان آخر نحو “الصين والقارة الأميركية”، وهو تحول بدأ برأيه في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.
وأضاف “للمرة الأولى لدينا رئيس أميركي (دونالد ترامب) لا يشاطر فكرة المشروع الأوروبي، والسياسة الأميركية تنفصل عن هذا المشروع”.
وأخيرا، يكمن الخطر الثالث في تزامن إعادة تركيب توازن العالم مع صعود الصين منذ 15 عاما، وهو أمر يهدد بقيام عالم ذي قطبين، ما سيهمش أوروبا بشكل واضح.
وحذر ماكرون من أنه إذا لم تحدث في أوروبا “يقظة، وإدراك لهذا الوضع وقرار بمعالجته، فإن الخطر كبير بأن نختفي عن الخارطة الجيوسياسية مستقبلا، أو أقله ألا نعود أسياد مصيرنا”.
وصرح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بمؤتمر صحفي في لايبزيغ بأن حلف الأطلسي الذي أنشئ عام 1949 ما زال “تاريخيا من أهم الشراكات الإستراتيجية”.
وانتهز الفرصة للتذكير بطلب ترامب من دول الحلف “تقاسم عبء” تمويله، بعد أن قال إن الحلف الأطلسي “عفا عليه الزمن” في يناير/كانون الثاني 2017.
بدوره، شدد رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو على “الدور البالغ الأهمية” للحلف في الساحة الدولية، خصوصا في العراق ولاتفيا.
موقف روسي
أما موسكو، فرحبت بتصريحات ماكرون على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا التي كتبت على صفحتها في فيسبوك، “إنها كلمات من ذهب، صادقة وتعكس الجوهر. إنه تعريف دقيق للواقع الحالي لحلف شمال الأطلسي”.
ورأى ماكرون في مقابلته أن لا خيار لروسيا سوى إقامة “شراكة” مع أوروبا، معتبرا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يعتزم أن يصبح “تابعا للصين” وأن النموذج الروسي الحالي “غير مستدام”.
ولفت إلى أن روسيا لديها اليوم إجمالي ناتج قومي “مواز لإسبانيا” و”شعب يعاني من الشيخوخة”، وهي “تتسلح مسرعة الخطى أكثر من أي بلد أوروبي آخر” معتمدة “نموذجا يقوم على العسكرة المفرطة ومضاعفة النزاعات” كما في أوكرانيا، مضيفا “برأيي، هذا النموذج غير مستدام”.