كل ركن في إيران مختلف.. مصورات يكشفن بلادهن بعيون جديدة
“لم أعد أملك جذورا هناك.. لذا لا يمكنني القول إنني أشعر بأنني في وطني عندما أكون في إيران”.. هذا ما قالته ناییني (64 عاما) التي غادرت إيران في سن السادسة عشرة لتدرس في المملكة المتحدة، ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة لمتابعة دراساتها العليا، وحين أرادت العودة إلى إيران في سبعينيات القرن الماضي، اندلعت الثورة فطلب منها والداها عدم العودة.
كان الفن وسيلتها لمواجهة شعورها بالتمزق جراء ابتعادها عن جذورها. وفي مجموعة تحمل عنوان “تحديث ألبوم العائلة”، أعادت دمج صور عائلية قديمة باستخدام خلفيات مختلفة.
ظهرت بمعرض في رواق “آرثر أم. ساكلر”، وهو متحف في العاصمة واشنطن وجزء من مؤسسة “سميثسونيان”، يعرض أعمالا فنية من أنحاء آسيا.
تقول ناییني “عثرت على الصور في الغرفة العلوية للمنزل، فقررت إعادة ابتكارها لأتواصل مع الماضي وأجدادي والأشخاص الذين لم أقابلهم”.
وباستخدام الفوتوشوب، أدخلت خلفيات جديدة لأفراد أسرتها، وأحيانا ملابس جديدة، بهدف عرض فكرة التغيير، و”إحياء الماضي”.
وأوضحت أن الصور أتاحت لها الفرصة لإخراج أسرتها من سياقها الأصلي، وتسليط الضوء على شعورها بالفقد وعدم الانتماء، فكل ما يربطها بإيران هو ذكريات الماضي.
6 إيرانيات
ناییني ليست الفنانة الوحيدة التي تكافح لتتصالح مع شعور الانتماء إلى إيران، وأن تكون إيرانية الآن. مجموعتها ظهرت في معرض بالعاصمة الأميركية واشنطن بعنوان “إيران.. ست نساء مصورات”، تطرق لهذه المسألة المعقدة، مع تحدي الصورة النمطية لتقديم البلاد بأعين المصورات الموهوبات.
وسلط الكاتب المعني بالقضايا العربية الأميركية والقضايا الإسلامية الأميركية عمر فاروق في تقرير نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، الضوء على الزاوية الخفية من إيران، التي كشفتها مصورات إيرانيات.
وأكدت رئيسة أمناء معرض الفنون الإسلامية معصومة فرهاد أن “البعد الإنساني انتزع من إيران وشعبها ظلما، والمهم بالنسبة لنا الابتعاد عن الصورة النمطية وإضفاء بعد إنساني، إذ يكافح هؤلاء الرجال والنساء للتعامل مع القضايا ذاتها التي نكافح لأجلها هنا”.
كما يضم المعرض أعمالا للفنانات نیوشا توکلیان وجوهر دشتي وشادي غديريان وهونغاما غولستان وميترا تبريزيان، نصفهن يعشن في إيران، بينما انتقلت أخريات للعيش خارج البلاد.
ويعكس المعرض الجوانب المعقدة لحياة المرأة الإيرانية داخل البلاد وخارجها، وتقدم الفنانات نظرتهن الخاصة للمجتمع الإيراني، وللإبداع الفني الذي يزدهر حاليا هناك.
والأعمال المعروضة تنتمي إلى المجموعة الدائمة لمعرض “ساكلر”، اقتُني معظمها عام 2011 من المصورين الإيرانيين المعاصرين.
عالم جديد مليء بالحريات
في الصورة التي تحمل اسم سمية، تقف امرأة بثوبها الملون اللافت للأنظار ومعطفها الكستنائي ووشاحها الأخضر والجينز الأزرق والحذاء البني أمام شجرة قاحلة بأوراق بلاستيكية بدل الأوراق العادية.
والكاميرا تكبّر الصورة بينما الرياح تهبّ على الأكياس البلاستيكية ووشاح الفتاة التي ظلت ملامحها جامدة وحازمة، لإخفاء مشاعرها.
مقطع الفيديو هذا ضمن مجموعة “صفحات فارغة” من ألبوم إيراني يعرض صورا فوتوغرافية تحكي قصة معلّمة مطلّقة تحصل على بداية جديدة في عالم مليء بالحريات الجديدة.
وتظهر إحدى الصور نساء إيرانيات يغنين، بينما يظهر رجل إيراني في صورة أخرى وهو يرتدي ربطة عنق، وهما أمران محظوران في إيران.
أما توكليان فتعرض مجموعة صور معدّلة، وتَشابُهها مع التصوير الوثائقي ينبع من جذورها كمصورة صحفية، إذ تحولت إلى مصوّرة بعد رفض الحكومة الإيرانية طلبها الحصول على تصريح صحفي هذا العام.
دمج البطاقات البريدية
سعت غديريان لالتقاط ضغوط وصراع التقاليد والحداثة في المجتمع الإيراني، حيث تعرض صورا التقطت بأسلوب فترة حكم القاجار (1789-1925)، ولكن بلمسة عصرية.
كل صورة تتضمن عنصرا حديثا، في حين يرتدي الأشخاص ملابس تعود لمئات السنين.
وتصوّر المجموعة المجتمع الإيراني باعتباره لا ينفصل عن التقاليد، ويأخذ باستمرار من ماضيه لدفع مستقبله.
وهذا ما تؤكده فرهاد بقولها إن “العديد من الفنانين مرتبطون بماضيهم، وهم يستخدمون الأعمال الفنية لتحديث الصور الإيرانية بطرقهم الخاصة”.
تأثير الهجرة والنزوح يمتد من أعمال ناییني إلى بقية العروض، في إشارة إلى صور دشتي التي تتركز حول تجاربها باعتبار أنها ترعرعت قرب ساحل الخليج أثناء الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات.
وتحتوي مجموعتها غير المُعنونة على صورتين، تُجسّد الأولى مجموعة نساء جالسات على أريكة بحالة حداد ويرتدين جميعهن اللون الأسود.
وتعرض الصورة الثانية 20 رجلا وامرأة يحملون حقائب ويصطفون في طابور. وعوضا عن وجود هؤلاء الأشخاص في منزل أو مطار، وُضعوا في أرض عشبية جافة محاطة بغطاء نباتي أخضر وتلة صغيرة، وهو ما تصفه فرهاد “وسط اللامكان”، وهي استعارة لما تعتقد المصورة أنه مستقبل بلدها.
من جهة أخرى، تقضي تبريزيان وقتها في التقاط صور للمنفيين الإيرانيين في لندن حيث تقطن. وتملك صور نظرة سينمائية، وهي بالفعل مخرجة سينمائية.
وتصف ناییني أعمال تبريزيان بقولها “من الصعب للغاية أن أكون في المنفى، حيث أجد صعوبة على نحو ما في الاندماج في ثقافة مختلفة وأماكن مختلفة”.
وتشير فرهاد إلى أنها لم تشرع في عرض أعمال الفنانين الذين يعيشون داخل إيران وخارجها، لكنها ساعدت مواقعهم الجغرافية المختلفة على إعطاء رؤية أكثر اكتمالا للمجتمع الإيراني.
وتضيف “في نهاية المطاف، سيحمل هذا المعرض عنوان إيران. وفي الحقيقة، هناك أكثر من إيران واحدة، ومن هنا كان العنوان.. فكل ركن في إيران مختلف”.