قرار واشنطن لشرعنة المستوطنات الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة يقوّض إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام
من الناحية القانونية، لن يكون للقرار الأمريكي الأخير حول الاستيطان اليهودي الاسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة أي تأثير.
فبإمكان إدارة ترامب الأمريكية أن تقول إن المستوطنات “ليست حرفيا منافية للقانون الدولي”، كما أعلن وزير خارجيتها مايك بومبيو يوم الإثنين الماضي.
ولكن تفسير القانون الدولي ليس في أيدي الأمريكيين، بل هو من مسؤولية جهات كالأمم المتحدة وهو مشرعن في اتفاقيات ومعاهدات دولية مثل معاهدة جنيف الرابعة التي تحرم القوة المحتلة من إسكان مدنييها في الأراضي التي تحتلها.
ولكن القرار الأمريكي الأخير سيكون له مع ذلك أثر من وجهة النظر السياسية، فهو يدعم الموقف الإسرائيلي القائل إن الضفة الغربية هي أرض “متنازع عليها” وليست “محتلة”. ومن شأن هذا القرار أيضا إضعاف إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين.
فما هي هذه المستوطنات؟ المستوطنات هي عبارة عن تجمعات إسكانية يهودية شيدت في الأراضي التي احتلتها اسرائيل بالقوة العسكرية في حرب حزيران (يونيو) 1967. وكانت المفاوضات التي جرت بين الجانبين في سياق اتفاقيات أوسلو للسلام في عام 1993 تهدف إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة. ولكن اتفاق أوسلو لم يمنع بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة، ومضت كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1993 في هذا المنوال.
كانت الإدارات الأمريكية السابقة تعارض بناء وتوسيع المستوطنات، باعتبارها عقبة في طريق السلام، وكانت هذه الإدارات تعارض هذا التوجه الاسرائيلي بدرجات متفاوتة. ولكن وتيرة انشاء وتوسيع المستوطنات تسارعت منذ تسلم ترامب مقاليد الحكم في واشنطن، حسب ما تقول جماعة “السلام الآن” الإسرائيلية المناهضة للاستيطان.
ولكن هذا التحول في السياسة الأمريكية لقى تأييدا من جانب دافيد فريدمان، السفير الأمريكي لدى اسرائيل، والذي كان يجمع التبرعات من أجل بناء المستوطنات قبل أن تعينه إدارة ترامب سفيرا لدى اسرائيل
قد يفتح هذا القرار الطريق لضم الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى اسرائيل. وهذا ما يطالب به اليمين الاسرائيلي المتدين – الذي يعد من أقوى المؤيدين لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو – والذي يرى أن الضفة الغربية هي جزء من الوطن التاريخي للشعب اليهودي.
وكان نتنياهو قد أطلق وعودا في حملته الانتخابية الأخيرة بضم أجزاء من الضفة الغربية إلى اسرائيل، ووصف “خطة السلام” التي تعكف ادارة ترامب على طرحها بأنها عبارة عن خارطة طريق تهدف إلى تعزيز “السيادة اليهودية”.
لم تنشر تفاصيل هذا المشروع – الذي يطلق عليه “صفقة القرن” – إلى الآن، ولكن وزير الخارجية بومبيو يقول إن إبعاد عملية السلام عن النقاشات الدائرة حول الجانب الصائب والمخطئ بموجب القانون الدولي سيخلق مجالا سياسيا تتمكن من خلاله ادارة ترامب من تمرير “رؤيتها”، ولكنه لم يدل بتفاصيل أكثر.
ومهما كانت حقيقة الأمر، فهذا الموقف الأمريكي الجديد يخلق مشاكل للدول الأخرى في العالم التي كانت تتصرف على أساس الهيكل المتفق عليه دوليا للسلام بين اسرائيل والفلسطينيين.
فلأكثر من عقدين من الزمن، ركّز المجتمع الدولي جهوده على العمل للتوصل إلى حل الدولتين للصراع الاسرائيلي الفلسطيني. وطالما حذرت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي من أن النشاط الاستيطاني اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة إنما يقوّض امكانية التوصل إلى هذا الحل. ولكن الآن وقد سحب اللاعب الدولي الرئيسي معارضته للمشروع الإستيطاني، يبدو الطريق مبهما أكثر من أي وقت مضى – فليس هناك أي خطة بديلة.
كما يجد حلفاء أمريكا من العرب صعوبات متزايدة في اسناد “الجهود” التي يبذلها ترامب من أجل التوصل إلى سلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين، لأنهم مترددون في أن يكونوا شركاء في قرارات أمريكية تعد موالية لاسرائيل.
كما يعد القرار الأمريكي الأخير بخصوص المستوطنات والإستيطان مشكلة بالنسبة للجالية اليهودية في الولايات المتحدة، لأن من شأن هذا القرار تعميق الهوة بين الحزبين الأمريكيين الرئيسيين حول الموقف من اسرائيل بشكل عام.
فاعضاء الكونغرس من الجمهوريين امتدحوا القرار، بينما عارضه بعض الديمقراطيين بشدة – ومنهم عدد من مرشحي الرئاسة.
ومما لا شك فيه أن هذه الخلافات كان لها أثر على الرد المتحفظ الذي أعربت عنه حتى أقوى مجموعات الضغط الموالية لاسرائيل في واشنطن – اللجنة الأمريكية الاسرائيلية للشؤون العامة (أو أيباك) – التي قالت في تغريدة على تويتر إنها لا تتخذ موقفا معينا تجاه المستوطنات.
ولكن ليس للفلسطينيين الكثير من الخيارات.
فقد قاطعوا مشروع ترامب “للسلام” منذ أعلن عن قراره في عام 2017 بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، التي يطالب الفلسطينيون بجعل شطرها الشرقي عاصمة لدولتهم الموعودة.
ومما يزيد الطين بلة انقسام القيادة الفلسطينية بين السلطة التي يقودها محمود عباس ومنظمة فتح في الضفة الغربية وحركة حماس الاسلامية في قطاع غزة. منع هذا الخلاف بين الجانبين بلورة أي استراتيجية فعالة لمواجهة ادارة ترامب وسعيها لتغيير مسار السياسة الأمريكية تجاه اسرائيل والأراضي الفلسطينية.
ولكن الفلسطينيين تعبوا من الاحتجاج. فقد وصف ناشطون سياسيون فلسطينيون القرار الأمريكي بأنه عبارة عن اعلان موت عملية أوسلو، وناشدوا بمقاومة الاحتلال.
ولكن يبدو أن الكثيرين من الفلسطينيين اختاروا سبيل حرب التموضع، إذ يقولون إن تمسكهم بالأرض هو شكل من أشكال المقاومة السلمية.