مرأة

ثورة وملكة وأخلاق سيئة.. رحلة تطور مساحيق التجميل

ربما ليس بجديد علينا معرفة أن الإنسان قديما ابتكر طرقا لتحسين مظهره، مستخدما مواد طبيعية تارة وأخرى بتجربة خلطات مصنعة، لإضفاء الحيوية والجمال على بشرته. لكن تاريخ تطوّر مساحيق التجميل مرّ بمراحل مثيرة للاهتمام حتى أصبحت بالشكل المتعارف عليه اليوم.

زينة الوجنتين
كان المصريون القدماء أول من تزينوا باللون الوردي على الشفاه والوجنتين، مستخدمين صبغة حمراء مستخرجة من مواد طبيعية خلطوها بالدهن ووضعوها على وجوههم، مع كحل العين الأسود. وعلى خطاهم، استخدم اليونانيون مسحوقا مصنعا من التوت لتلوين الوجنتين.

وبمرور الوقت شهد استخدام مساحيق التجميل تراجعا خلال العصور الوسطى في أوروبا، إذ كان السائد حينها أن تظهر السيدات بوجوه شاحبة دون أي مواد على وجوههن.

والسبب وراء ذلك هو الاعتقاد بأن الوجه الشاحب دليل على الثراء والترف، إذ كانت الأميرات والملكات في أوروبا مدللات ولا يخرجن من قصورهن للعمل، وبالتالي لا يتعرضن لضوء الشمس، مما يجعل بشرتهن شديدة البياض. وكانت الفتيات يتسابقن للظهور بالوجه الشاحب، حتى إن بعضهن تعمدن الإصابة بنزيف الدم للوصول إلى اللون المطلوب.

تأثير الثورة
مع قيام الثورة الفرنسية عام 1789، حدثت تغييرات اجتماعية كبيرة داخل أوروبا، وبدأت السيدات استخدام صبغات لتلوين بشرتهن، فارتبطت مساحيق التجميل بمؤيدي الثورة وصارت دليلا على التمرد، مما دفع فيكتوريا ملكة بريطانيا إلى وصف اللواتي يضعن المساحيق بالعاهرات.

وحصل تطور كبير في بداية القرن الماضي، حين تحول إنتاج مساحيق التجميل إلى صناعة، وبدأت أولى الشركات -وهي لوريال- في تصنيع كميات كبيرة من منتجات التجميل المعتمدة على مواد آمنة بعيدة عن الصبغات السامة، ومنها مسحوق “البلاشر” (أحمر الخدود) الذي يكسب الوجنتين اللون الوردي.

يعد السومريون (5000 قبل الميلاد في العراق) أول من طحن الأحجار الكريمة بألوانها المختلفة واستخدمها في تلوين الوجوه، وخاصة الشفتين وما تحت العينين.

وارتبطت مساحيق التجميل خلال العصور الوسطى في أوروبا بسوء الأخلاق، ولم تكن تستخدمها علانية دون خجل إلا الملكة إليزابيث الأولى ملكة إنجلترا وإيرلندا عام 1558، فوضعت صبغة الشفاه رغبة منها في تمييز نفسها عن باقي النساء اللاتي يتفاخرن بالوجه الشاحب.

ومع نهاية القرن التاسع عشر، ظهر أحمر الشفاه بلونه الأحمر الداكن، وكان اللون يستخرج من جسم أحد أنواع الحشرات، ويباع كمسحوق في ورقة ملفوفة أو علبة صغيرة، ولم تكن تستخدمه سوى فنانات هوليود نظرا لارتفاع ثمنه.

لكن أحمر الشفاه بشكله الحالي لم يظهر حتى عام 1915، حين ابتكر موريس ليفي أسطوانة معدنية بداخلها المزيج الملون، وكانت السيدات تضطر إلى الضغط بإصبعها على إحدى جانبي الأسطوانة لدفع المزيج إلى الأعلى.

 مساحيق التجميل ارتبطت بمؤيدي الثورة الفرنسية (مواقع التواصل)
مساحيق التجميل ارتبطت بمؤيدي الثورة الفرنسية (مواقع التواصل)

بشرة مثل الكيك
لا توجد معلومة مؤكدة عن أول من استخدم المرهم المعروف باسم “كريم الأساس”، لكن اليونانيين القدماء استعملوا خليطا أبيض اللون وضعوه على وجوههم لتوحيد لون البشرة، غير أنهم سرعان ما توقفوا عن استخدامه نظرا لوجود مواد سامة في مكوناته.

أما في العصر الحديث، فكانت شركة “ماكس فاكتور” الشهيرة أول من أنتج كريم الأساس عام 1914 تحت اسم “بان كيك”، الذي يجعل وجه المرأة يظهر كلون وملمس فطيرة “البان كيك”.

ومنذ ذلك الحين بدأت شركات مساحيق التجميل في إنتاج كريمات الأساس بألوان ودرجات مختلفة لتناسب ألوان بشرة السيدات.

كحل العين
أول مستخدم له هم قدماء المصريين، كما تظهر النقوش والرسوم على جدران المقابر والمعابد الفرعونية.

واستخدم الكحل الأسود بكثافة بين المصريين قديما، الأغنياء منهم والفقراء، الرجال والنساء، إذ اعتقدوا أن الكحل يحمي منطقة العين من ظهور التجاعيد التي يؤدي إلى ظهورها جوُّ الصحراء الحار.

ولم يحظ الكحل بأهمية كبيرة بين شعوب أوروبا، حتى اكتشاف مقبرة الملك الفرعوني توت عنخ آمون عام 1922. وأدت التغطية الإعلامية الكبيرة التي حظي بها الاكتشاف إلى اهتمام صناع مساحيق التجميل بقلم رسم العين الذي ميز عين الملك الفرعوني.

وبدأت الشركات إنتاج الكحل الأسود، ثم تطور الأمر إلى صناعة ألوان أخرى لتتناسب مع درجات لون البشرة، ومعه ابتكرت أيضا “الماسكارا” وقلم تلوين الحاجبين لمنح الرموش والحواجب لونا وكثافة.

 الكحل لم يحظ بأهمية كبيرة في أوروبا حتى اكتشاف مقبرة الملك الفرعوني توت عنخ آمون (الألمانية)
الكحل لم يحظ بأهمية كبيرة في أوروبا حتى اكتشاف مقبرة الملك الفرعوني توت عنخ آمون (الألمانية)

طلاء الأظافر للأغنياء فقط
ظهر طلاء الأظافر في الصين قبل حوالي 300 عام قبل الميلاد، وتكون من صبغات مستخرجة من الخضروات، مضافا إليها شمع النحل وزلال البيض.

كما استخدم الفراعنة طلاء الأظافر، وكانت ألوانه دليلا على الطبقة الاجتماعية، فالأثرياء وضعوا الألوان الصارخة كالأحمر، أما أصحاب الطبقات الأقل فكانوا يستخدمون الألوان الهادئة والمحايدة، بحسب موقع تاريخ مساحيق التجميل.

أما في العصر الحديث فإن ظهور زجاجات الطلاء بشكلها الحالي كان في عام 1916، وكانت ألوانه مستوحاة من ألوان السيارات في ذلك الوقت. وفي العام 1932 أسست أول شركة تجارية متخصصة في إنتاج طلاء الأظافر، وهي شركة “ريفلون”، وكان أول إنتاجها طلاء بلون الكريمة.

 شركة "لوريال" أول من أطلقت منتج صبغة الشعر (مواقع التواصل)
شركة “لوريال” أول من أطلقت منتج صبغة الشعر (مواقع التواصل)

صبغات لإخفاء الشيب
عرف اليونانيون القدماء كأول من استخدم صبغات لتغيير لون الشعر، وبحسب وصف المؤرخين فإنهم تعمدوا صبغه باللون الأشقر القريب من الأبيض، مستخدمين الجير في التلوين. كما امتنعوا عن تصفيف شعورهم أو قصها، فكان السائد حينها ظهورهم بالشعر الأشعث الطويل.

وبما أن شركة “لوريال” كانت رائدة في مجال التجميل، فكانت هي أول من أنتج صبغة الشعر عام 1907 على يد مؤسسها الكيميائي يوجين شويلر، لمساعدة السيدات -وخاصة الفنانات- في إخفاء الشعر الأبيض والرمادي ومنح الشعر ألوانا أكثر حيوية، وكانت البداية باللون الأشقر.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى