نشطاء يحتجون على المروجين للجمعة السوداء وجهود توريط المستهلكين بالمزيد من التسوق
في الجمعة الأخيرة من شهر نوفمبر تشرين الثاني، يتهافت الناس على المتاجر ومراكز التسوّق لاغتنام فرصة التخفيضات على السلع المعروضة في ذلك اليوم. لكن باحثين يقولون إن خبراء التسويق يخططون بشكل جيّد لهذا اليوم ويضعون استراتيجيات توجّه المستهلك نحو شراء أشياء قد لا يكون بحاجة لها. كما يحارب نشطاء حماية البيئة من أجل إلغاء “الجمعة السوداء”.
أصبح ما يحدث في مثل هذا اليوم من كلّ عام متوقعا ومعتادا.
يتزاحم الناس للدخول إلى المتاجر بعد ساعات من الانتظار في طوابير أمامها، وقد تنشب مشاحنات داخل المحال بين “مستميتين” في طلب آخر قطعة من منتج قد لا يقدرون على شراءه إذا عاد إلى سعره الكامل.
وتتأثر حركة السير في العواصم والمدن الكبرى أيضا في ساعات الذروة في الطرق المؤدية إلى مراكز التسوق.
ويوثّق مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي تلك الحركة في مقاطع يسجلونها وهم في الطريق إلى المتاجر، ويتحوّل الزحام إلى حديث الناس ومواقع الأنباء.
لكن يبدو من تعليقات مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي أن “الجمعة السوداء” “حيلة قد لا تنطلي على الجميع”.
وينشر كثيرون صورا لمنتجات مع مقارنة بين سعرها كما رصدوه قبل أيام أو أسابيع والثمن المكتوب على بطاقة التخفيضات في هذا اليوم.
ويقولون إن أصحاب المتاجر يرفعون سعر البضائع ثم يعلنون تخفيضا يعيدها إلى السعر الأصلي المعلن قبل أيام، فلا ترى عين الشاري إلا الفرق الكبير بين الثمن المشطوب والثمن الذي سيدفعه، فيشعر بأن شراء هذه البضاعة الآن فرصة عليه اقتناصها.
ومقابل هذا التشكيك في حقيقة التخفيضات والجدل حول أهميتها من عدمه، ينشر بعض المدوّنين “نصائح للمستهلكين” و”دليلا للاستفادة من التخفيضات”. فيكون لهم نصيب من أرباح “الجمعة السوداء” عبر المتابعات والمشاهدات وربما الإعلانات.
كيف يقنع المسوّقون المستهلكين بالتهافت على بضائع “الجمعة السوداء”؟
يقول كثيرون إن أغلب ما يشترونه يوم “الجمعة السوداء” بضائع لم يخططوا لشرائها وربما يكتشفون لاحقا أنهم لا يحتاجونها.ويقولون إنهم اشتروها “دون تفكير”.
لكنّ التجّار والمسوّقين ومصمّمي الإعلانات يعرفون السبب.
تعتمد الشركات الكبرى على خبراء في التسويق والإعلان على دراية كبيرة بالسلوك الاستهلاكي للمجموعات والمجتمعات المختلفة، وعلى متخصصين يدرسون الأسواق المفتوحة ويضعون خطة تسويق بناء على ما جمعوا من معلومات.
وهناك استراتيجيات تسويقية تنطبق على كل الناس في مختلف الأماكن ومن مختلف المجتمعات يضعها الخبراء استنادا إلى دراسات اجتماعية ونفسية لسلوك الناس.
ويقول غاريث هارفي، الباحث البريطاني في سلوكيات المستهلك، إن الإعلانات المسبقة للجمعة السوداء، والتي تشجع الناس على انتظار هذا اليوم، تجهّز المستهلك نفسيا لشراء شيء ما ذلك اليوم.
لذلك ينصح هارفي المستهلك بأن “يستعدّ لعدم الشراء وليس العكس”.
وقال هارفي، في حوار مع صحيفة دير شبيغل الألمانية، إن المتاجر تعتمد على عناصر كثيرة تؤثر في وعي المستهلك وتركّز تفكيره على “فرصة الشراء” منها: الألوان، مثل اللون الأصفر الذي أثبتت التجارب نجاحه في جلب الانتباه، والإضاءة وحتى الموسيقى داخل المتجر. كلها عوامل تؤثر على عقل المستهلك، فيندفع نحو الشراء.
لكن العامل الأهم في اتخاذ القرار حسب هارفي هو صورة العلامة التجارية. العلامات التجارية المعروفة للبضائع تكون يرغبها المتبضعون طوال العام، وبمجّرد ظهور فرصة لشراء منتج لتلك العلامة التجارية بسعر أقل يندفع المستهلك نحوه.
“الجمعة المعادية للبيئة”
ويعترض نشطاء في مجالات مختلفة على سلوك المستهلكين يوم “الجمعة السوداء”.
فمنهم من يرفضه لكونه “يكرّس أسوأ قيم الرأسمالية” حسب قولهم، خاصة في المظاهر التي تنتشر في ذلك اليوم من تدافع وتهافت على الشراء، وما توحي به من “انتصار قيم السوق”.
لكن حديثا تحولت “الجمعة السوداء” إلى هدف لنشطاء حماية البيئة، الذين يطالبون بإلغائه لما يسببه من “ضرر للبيئة” كما يقولون.
وفي فرنسا، اعتصم نشطاء أمام المقر الرئيسي لشركة أمازون للتجارة الإلكترونية شمال باريس، كما أغلقت مجموعة “أصدقاء الأرض” ونشطاء بيئة آخرون مخزنا لأمازون وأوقفوا حركة الشاحنات منعا لسير مبيعات “الجمعة السوداء”. لكن الشرطة تدخّلت لاحقا لفضّ الاعتصام بالقوة.
واستهدف النشطاء أمازون التي تشحن نحو عشرة مليارات طلب كل عام حسب وكالة رويترز، إذ رأى النشطاء في خدمات التوصيل السريع التي توفّرها زيادة في نسبة المحروقات والغازات المنبعثة من الشاحنات.
كما أعرب بعض نواب البرلمان الفرنسي عن قلقهم من تأثير تضخم ثقافة الاستهلاك على كوكب الأرض، واقترح بعضهم قانونا يمنع ظاهرة “الجمعة السوداء”.
وقدّمت وزيرة البيئة الفرنسية السابقة “دلفين باثو” مقترحا في هذا الشأن، سيناقشه البرلمان الشهر المقبل.
“الجمعة السوداء” و”الجمعة البيضاء”
وبعيدا عن الجدل حول حقيقة التخفيضات أو عن ما يسببه هذا اليوم من فوضى، يعترض مسلمون على تسمية “الجمعة السوداء” ويرون فيها انتقاصا من قداسة يوم الجمعة.
ومن هنا ابتُدِعت تسمية “الجمعة البيضاء” فما أصل حكاية “الجمعة السوداء” و”الجمعة البيضاء” وما الفرق بينهما؟