قد يهزم ديزني.. فيلم الرسوم المتحركة الأول لنتفليكس
تتجه أفلام الرسوم المتحركة بسرعة كبيرة عاما تلو الآخر في طريق استخدام أفضل التقنيات لإيهام المشاهدين بأن ما يشاهدونه على الشاشة حقيقي، هذا بالتحديد ما تفعله شركة ديزني في الأعوام الأخيرة من خلال استخدام تقنيات صناعة الرسوم بالحاسوب، والاستغناء تماما عن الرسوم اليدوية، ثم التحول مؤخرا لاستخدام المؤثرات الخاصة في صنع حكايات الرسوم المتحركة في شكل أفلام واقعية، وهو ما شاهدناه هذا العام في فيلمي “علاء الدين”، و”الأسد الملك” (The Lion King).
على جانب آخر، فإن شبكة نتفليكس قد فاجأت الجميع بفيلم الرسوم المتحركة الأول من إنتاجها، وهو فيلم اعتمد تماما على تقنية الرسوم المتحركة ثنائية الأبعاد، والتي تذكرنا بأفلام ديزني في التسعينيات، كما تذكرنا أيضا بكتب قصص الأطفال في القرنين الـ19 والـ20.
فيلم “كلاوس” (Klaus) يدور حول حكاية مليئة بالنوستالجيا والكوميديا، بالإضافة إلى العديد من اللحظات الدافئة التي تدور حول قيمة الصداقة، وقدرة الإيثار والتضحية على تغيير العالم بأكمله، كل هذا في أجواء مثالية لأعياد الميلاد ونهاية العام، حيث يدور الفيلم بالأساس حول نسخة معدلة للقصة الأصلية وراء بابا نويل.
عن الصداقة
يبدأ الفيلم بقصة فتى مدلل يفشل فشلا ذريعا في مدرسة البريد، ولكنه يعتمد بالأساس على كون والده هو رئيس مصلحة البريد في دولة أوروبية لا يخبرنا الفيلم باسمها، كما لا نعرف بالتحديد في أي زمن تدور الحكاية، ولكننا من خلال أزياء الشخصيات، والأجواء التي تعتمد بالأساس على عربات تجرها الأحصنة نستنتج أننا في العصور الوسطى، تحديدا في الفترة بين القرنين الـ13 والـ15.
ويكلف الأب ابنه بمهمة صعبة في الذهاب إلى مدينة نائية وفقيرة للغاية، للعمل في نقل البريد لمدة عام، على ألا يعود إلى حياة الرفاهية إلا بعد أن ينجح في إيصال آلاف الرسائل من وإلى هذه المدينة.
الفصل الأول هذا يقودنا عقب ذلك إلى رحلة الفتى في مدينة مرعبة وموحشة تبدو كمدينة للأشباح، إلا أن كل شيء يتغير حينما يتعرف هذا الفتى على عجوز ضخم البينة بشعر شديد البياض ولحية طويلة يشبه لونها لون الثلج، ويجد الفتى في العجوز صديقا وأبا روحيا، كما يجد العجوز في الفتى وسيلة لإيجاد غاية جديدة لحياته بعد أن فقد زوجته التي تركته دون أبناء.
هكذا ينقلنا الفيلم وفي مستوى مشاهدته المباشرة إلى حكاية دافئة عن الصداقة، لكننا إن تعمقنا قليلا فسنجد ما هو أكثر إبهارا من ذلك.
قصة بابا نويل
في قلب هذه القصة عن الصداقة تكمن نقطة قوة الفيلم الأهم، وهي أنه يقدم نسخة شديدة المتعة عن القصة الحقيقية وراء شخصية “سانتا كلوز” أو “بابا نويل” التي يعرفها الأطفال حول العالم بكونها شخصية الرجل الطيب ذي اللحية البيضاء الذي يجلب الهدايا لهم في نهاية كل عام بشرط أن يحسنوا التصرف تجاه أصدقائهم وأفراد أسرتهم.
القصة الحقيقية التي ربما تكون متأثرة بقصة القديس نيكولاس، الرجل المتدين الإغريقي الذي اعتاد أن يجلب الهدايا للأطفال أثناء القرن الرابع الميلادي قد نقلها الفيلم إلى عالم أوسع، حيث نرى شخصية كلاوس، وهو رجل غير مرتبط بإرث ديني واحد، كما أنه يمل قصته الشخصية عن الانعزال في بيت وسط الغابة بعد وفاة زوجته.
كما يعطي الفيلم دافعا كبيرا لهذا الرجل للاهتمام بالأطفال كونه هو شخصيا قد حرم من نعمة الأبوة، لذلك يصبح في شغفه الجديد بصنع هدايا للأطفال مبرر حقيقي لتغيير حياته هو شخصيا قبل أن يغير حياتهم.
هكذا يمزج الفيلم النوستالجيا بإعادة تركيب الأسطورة، ليقدم لنا في النهاية نسخة محببة للغاية ومناسبة للمشاهدين من كل العرقيات والأعمار عن قصة بابا نويل.
رسوم مليئة بالنوستالجيا
نختتم في النهاية بنقطة قوة الفيلم الأهم، وربما هي السبب الرئيسي في حصوله حتى الآن على تقييم 98% من المشاهدين و91% من النقاد على موقع “روتن توماتوز” (Rotten tomatoes)، بالإضافة إلى تقييمات مرتفعة في مواقع التقييم الأخرى مثل “آي أم دي بي” (IMDB).
نقطة القوة الأبرز هنا هي الرسوم ثنائية الأبعاد، والتي ورغم كونها مصنوعة بطريقة الديجتال فإنه يمكنك أن تشعر من خلالها بالحنين إلى أفلام الطفولة، وهنا يبدو أثر مخرج الفيلم سيرجيو بابلوس واضحا للغاية، فالرجل عمل مع ديزني في فترة التسعينيات من خلال أفلام شهيرة، مثل “تارازان”، و”هيرقليس”، وهي الأفلام التي ارتبط شباب اليوم بذكريات عديدة أثناء طفولتهم معها.
هذه الرسوم المليئة بالنوستالجيا لا تطلب من المشاهد أن يصدق أن ما يراه حقيقيا على الإطلاق، هكذا تبتعد نتفليكس تماما من خلال هذا “كلاوس” عن نهج ديزني الجديد لجلب الواقع إلى عالم الرسوم المتحركة، وبنجاح هذا الفيلم تثبت نتفليكس أن الجمهور ربما يفضل عالم الرسوم المتحركة بشكله القديم، بالرسوم التي تشبه دفاتر الأطفال، والحكايات الخيالية المليئة بالعواطف والحنين.