تراجع الدينار يؤجج أسعار السيارات في تونس
تتصاعد وتيرة الحركة شيئا فشيئا داخل السوق الأسبوعي للسيارات المستعملة في العاصمة تونس، ولا تبدو برودة الطقس عائقا أمام توافد المئات من الحالمين بشراء سيارة في حالة حسنة وبسعر مناسب من السوق الذي أصبح ملاذا للطبقة الوسطى في وقت تشهد فيه أسعار السيارات الجديدة ارتفاعا غير مسبوق.
وعلى غرار يوم الأحد من كل أسبوع يعج السوق الأسبوعي للسيارات المستعملة الواقعة في منطقة المروج الثاني جنوب العاصمة بالكثير من الرواد بين الباعة والمشترين والوسطاء والمتجولين ممن يرصدون وضع السوق أملا في امتلاك سيارة، في حين تحيط بالفضاء الشاسع أسواق فرعية لبيع قطع الغيار المستعملة والإطارات المطاطية وغيرها من مستلزمات السيارات.
وينخرط بعض التجار في تعداد مزايا السيارات التي يعرضونها للبيع والتغني بقوة محركاتها وجودتها، محاولين استمالة الزبائن، في حين يترصد الوسطاء الوافدين على السوق للانزواء بهم وعرض مساعدتهم على إيجاد ضالتهم.
المهمة الصعبة
بين صفوف السيارات ووسط لغط الباعة وضوضاء الوسطاء يمعن “صابر. ح” النظر في إحدى العربات، ولا يلبث أن ينحني أمام مقدمتها لفحص بعض مكونات محركها، ثم يغادر المكان بعد حديث مقتضب مع البائع.
“الأسعار نار، والمعادلة تبدو صعبة جدا بين حالة السيارة والسعر الذي يفرضه بعض الوسطاء والمضاربين الذين أججوا أسعار السيارات، هؤلاء همهم الحصول على هامش من الربح على حساب الشاري، وهذا ما يجعل الثمن باهضا ويحرم الكثيرين من امتلاك سيارة”، يتحدث صابر للجزيرة نت بنبرة تخفي الكثير من اليأس في العثور على ضالته.
ويتراوح متوسط سعر السيارة العائلية المستعملة بين 18 و28 ألف دينار (بين 6.5 و10 آلاف دولار) في بلد يشهد انهيارا كبيرا للقدرة الشرائية وزيادات متواصلة في الأسعار.
ولا يكاد صابر يتحرك صوب سيارة أخرى للسؤال عن حالتها والخيارات الموجودة فيها وثمنها حتى يتحلق حوله عدد من المضاربين ممن يتولون مهمة الوساطة في بيع السيارات على أن يحصلوا على مبالغ مالية متفاوتة، وتبدو هذه الظاهرة سببا من بين عوامل عدة أججت أسعار السيارات في تونس وتسببت في ركود غير مسبوق للسوق.
ويقول للجزيرة نت “أرتاد السوق للأسبوع الرابع تواليا، ولم أجد للآن سيارة في حالة حسنة وبسعر جيد، لم يعد الموظف البسيط قادرا على امتلاك سيارة جديدة في ظل تراجع الدينار وغلاء تكلفة السيارات الجديدة، السيارات المستعملة هي ملاذنا الأوحد ولكن يبدو أن نسق ارتفاع ثمنها يزداد من أسبوع إلى آخر”.
ويحمل الكثير من الزبائن مسؤولية شطط الأسعار للباعة ولكن محمد الصولي -الذي يعمل تاجرا للسيارات المستعملة- يرمي الكرة في شباك الحكومة، ويرى أن الإجراءات المصرفية والجبائية التي تم إقرارها زادت الوضع سوءا وعمقت أزمة القطاع على حد قوله.
ويقول الصولي للجزيرة نت إن “القوانين الجبائية والمصرفية ساهمت في ركود السوق، كما أن الزيادات المتلاحقة في أسعار المحروقات أثرت على الزبائن ودفعت الكثيرين إلى إلغاء فكرة اقتناء سيارة، لا بد من مراجعة بعض القوانين”.
وكانت الحكومة التونسية ألغت العام الماضي المعاملات المالية النقدية التي تفوق قيمتها 10 آلاف دينار (3400 دولارا)، وذلك في إطار مكافحة التهرب الضريبي وغسل الأموال.
شهدت أسعار السيارات الجديدة والمستعملة في تونس ارتفاعا كبيرا في 2019 بسبب تراجع الدينار مقارنة باليورو والدولار، وذلك بحسب ما كشفه خبراء في الاقتصاد وأفرز ذلك انهيار أرقام المبيعات.
وسجلت مبيعات السيارات الجديدة حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني من العام الجاري انخفاضا بنسبة 9%، حيث تم بيع 39 ألفا و400 سيارة مقارنة بالعام 2018 الذي سجل خلال الفترة ذاتها بيع نحو 44 ألف سيارة، وذلك وفق تقارير نشرتها الغرفة التونسية لوكلاء توريد السيارات.
أما مبيعات الشاحنات فسجلت بدورها انخفاضا بنسبة تناهز 20% بين سنتي 2018 و2019 حسب المصادر ذاتها.
ويرى مصطفى زروق -وهو صاحب وكالة لبيع السيارات الألمانية (فولكسفاغن)- أن انهيار العملة التونسية الدينار يعد السبب الرئيسي لانفجار أسعار السيارات.
ويقول زروق للجزيرة نت إن “أسعار بعض السيارات تضاعفت خلال العامين الأخيرين، وبلغ سعر السيارة الشعبية أكثر من 55 ألف دينار (نحو 19 ألف دولار) بعد أن كان في حدود 29 ألف دينار، كما أن الإجراءات الجبائية المجحفة زادت حجم التكلفة وعمقت أزمة القطاع”.
ويعتبر أن السيارات الفرنسية ثم الكورية والألمانية هي الأكثر مبيعات في تونس في الأعوام الأخيرة، في حين تشهد السيارات الصينية دخولا قويا للأسواق التونسية، وفق قوله.