هل تتمتع بذاكرة حديدية أم تعاني من آفة النسيان؟
قلب المنزل رأسا على عقب بحثا عن مفاتيح السيارة قبل دقيقتين فقط من مغادرة المنزل يُعتبر أمرا كلاسيكيا ومعتادا. وفي بعض الأحيان، تحاول التركيز والتذكر ومراجعة كل ثانية مررت بها في اليوم السابق، ومن المؤكد أنك حاولت ذات مرة أن تتذكر اسم بطل الفيلم الذي تشاهده مع صديقك، لكن دون جدوى.
هذه الهفوات تثير قلق كثير من الأشخاص، ويدرك المختصون باضطرابات الذاكرة أن هناك أشخاصا يذهبون لاستشارة الطبيب عما إذا كانت هذه الهفوات طبيعية، ولا ينبغي القلق بشأنها؟
وأورد الكاتبان، فيرونيكا بالومو وأندريس ماسا، في تقرير نشرته صحيفة “إلباييس” الإسبانية أسباب هذه الهفوات، تعرف عليها:
الأمر لا يرتبط بالذاكرة بل بالانتباه
قلة الانتباه هي سبب أكثر حالات عدم التذكر شيوعا، وهذا السبب يزداد بشكل أكثر في الأعمال التي تتكرر بشكل دائم.
وبحسب مدير وحدة أبحاث وعلاج اضطرابات الذاكرة في المركز المتكامل لعلوم الأعصاب، خافيير أولثاران، فإن “عدم القدرة على تذكر المكان الذي أوقفنا فيه السيارة أو نسيان الكلام أثناء إجراء محادثة، يسميه الأطباء بهفوات الانتباه، وليس قصورا حقيقا في الذاكرة. وبشكل عام، لا ينبغي أن يجعلنا ذلك نشعر بالذعر”.
ولهذا السبب، عندما يكون لديك مكان لتخزين كل شيء تستخدمه، عادة ما يساعدك على تجنب البحث عن المفاتيح في كل مرة تغادر فيها المنزل، مثلا.
الذكريات عند طرف اللسان
معركة النسيان معركة كلاسيكية متواصلة، تأمل أنك ستتذكر الكلمة التي تبحث عنها بأي وقت. لكنك في الوقت ذاته تعلم أنه ليس أمامك خيار سوى قبول حالة الجمود التي انتابتك.
وتشرح جامعة هارفارد في مدونتها الصحية أن ما يحدث هو أن هناك ذكريات أخرى تتنافس مع تلك التي تبحث عنها. وتصبح هذه الظاهرة أكثر تكرارا مع التقدم بالسن، وتجعل كبار السن يواجهون صعوبات في تذكر بعض الأسماء.
ومن المثير للاهتمام أن نسيان أسماء الأشخاص أمر شائع للغاية لأنها موجودة في نهاية شبكاتنا العصبية.
ويوضح أولاثاران “عقولنا ترابطية وتتكون على أساس نماذج المعلومات المترابطة. وهذا يعني أنه للوصول للأسماء، يتعين علينا التنافس مع كثير من المعلومات ذات الصلة، مثل الميزات المادية للشخص صاحب الاسم، شيء قلته أو قمت به… وتعتبر كل هذه العوائق الذهنية مظاهر طبيعية لدماغ سليم”.
إخفاقات الذاكرة
هناك أشخاص يتفاخرون بكونهم يتمتعون بذاكرة حديدية، فلديهم قدرة رائعة على تذكر الأحداث الماضية كما لو كانت حدثت في اليوم السابق. لكن مع بعض الاستثناءات، إذ يعتقدون ذلك لأنهم لا يدركون أن تفاصيل حياتهم غير صحيحة.
وإذا أخبرهم أحدهم أن هناك أشخاصا وأماكن وتواريخ بحكاياتهم لا تتوافق مع الواقع، يقلقون بشأن رداءة ذاكرتهم. لكن، من وجهة نظر بيولوجية، من المرجح أنه لا خطأ فيها. ويعد عالم النفس المعرفي أولريك نيسر ذلك بمثابة فشل ذاكرة طبيعي.
وذات يوم طلب نيسر من طلابه كتابة حدث ما، وبعد مرور ثلاث سنوات سألهم السؤال نفسه، واعتقد الجميع أن ذكرياتهم كانت دقيقة، لكن 7% فقط أجابوا على السؤال كما لو كان المرة الأولى، لكن حوالي 25% من الحالات لم تتطابق التفاصيل المهمة.
أما البقية، فرغم تذكرهم جوانب مهمة على غرار الأشخاص الذين كان معهم عند وقوع الحدث، فإنهم غيروا النسخة إلى حد كبير. وكنتيجة لذلك، تزداد “إخفاقات الذاكرة” مع التقدم في العمر.
الحدث ذاته يولد ذكريات مختلفة
استند الكاتبان بهذه الحالة لأبيات شعر كتبها رامون دي كامبوامور جاء فيها “في عالم خائن، لا يوجد حقيقة أو كذب، كله وفقا للون الزجاج الذي تنظر منه”.
وفي الحقيقة، تحدد هذه الأبيات الدور الذي تلعبه طريقتنا برؤية العالم بتحديد محتوى ذاكرتنا. فإذا كان ما يتبادر للذهن عند التذكير بتجربة ما متناقضا تماما مع ما يتذكره شخص آخر، رغم أنهما كونا ذكرياتهما سوية، فلا يستحق الأمر البحث عن الطرف المحق.
كما لا يستحق الأمر زيارة طبيب أعصاب، لأن الحالة المزاجية التي نشهدها والتجارب السابقة ليست سوى جانبين يتسببان بانحياز المعلومات عندما يشفر الدماغ الذكريات.
لا داعي لمحاولة تذكر ومعرفة جميع الأسماء والتواريخ والأحداث التي سجلها دماغنا في بعض الأحيان (بيكسابي) |
النسيان يجعلك تتذكر أفضل
الحقيقة أن الذاكرة مؤقتة، لأن الأشخاص الذين يتذكرون كل شيء استثناء. وبهذه الحالة، لا داعي لمحاولة تذكر ومعرفة جميع الأسماء والتواريخ والأحداث التي سجلها دماغنا في بعض الأحيان. إذ تدوم بعض الذكريات لفترة أطول، وبعضها لفترة أقل.
ويمكننا تفسير هذا النسيان على أنه فشل في الذاكرة، إلا أن العلماء يعتقدون أن هذه الآلية مهمة لأنها تساعد على “تنظيف القرص الصلب” للمعلومات التي تتراكم مع مرور الوقت، مما يسمح بتخزين ذكريات جديدة.
خرف أم إجهاد
ما يثير قلقنا هو أن يصبح النسيان متكررا للغاية، وقد يظن المرء أنه في أولى مراحل الخرف، ولكنه نتيجة للتوتر.
وأوضح عالم النفس العصبي، نويمي فرنانديز أنه “عندما يكون هناك ضمور في الخلايا بعد فقدان الذاكرة، فهذا يعني أن المخ يفقد مادة رمادية أو بيضاء، وبالتالي، لا تعمل الهياكل والمشابك العصبية بشكل صحيح”.
وكشفت دراسات متعلقة بتأثير قلة النوم على تعطيل عمل خلايا الدماغ، أن العجز في النوم يتداخل مع قدرة الخلايا العصبية على تشفير وتخزين ذكريات اليوم أثناء الراحة ليلا.