أعين أجنة الثدييات ترى ما بداخل الأرحام أكثر مما نتوقع
عندما فتحت عينيك للمرة الأولى، كان جل ما رأيته مجرد شعاع من النور.. كان ذلك في الثلث الثاني من دورة حياتك في رحم والدتك. في تلك الأثناء كان دماغك يتطور بسرعة، وكنت قد حصلت على رئتين تامتين رغم أنك حينها لم تكن تستخدمهما، والأهم أن شبكية عينك بدأت تلتقط بالفعل أول شعاع من الضوء.
نشرت دورية “كارنت بيولوجي” (Current Biology) دراسة حديثة يوم 7 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ونشرتها وسائل الإعلام نهاية الشهر ذاته، تفيد بأن عيون أجنة الثدييات قادرة على رؤية أكثر من مجرد شعاع من النور أثناء فترة حضانتها في الرحم.
أنواع فرعية من خلايا الشبكية
تعتبر خلايا العقدة الشبكية (العصي والمخاريط) التي اكتشفت قبل عقد من الزمن أولى الخلايا العصبية الحساسة للضوء التي تتطور في شبكية العين. وقد اعتقد العلماء أن هذه الخلايا لا تكون مرتبطة بالدماغ عند ولادة الثدييات، إذ يتطلب الأمر بعض الوقت والتدريب حتى تتطور الروابط بينهما.
غير أن الدراسة الحديثة الصادرة عن معهد “هيلين ويلز” لعلوم الأعصاب بجامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة، ذكرت أن التجارب الجديدة التي أجراها فريق بحثي من الجامعة على مجموعة من أجنة الفئران والقردة، كشفت أن هذه الخلايا العصبية الشبكية في عين جنين الثدييات تنقل إشارات إلى أجزاء مختلفة من الدماغ، تتعلق بالضوء المحيط بما في ذلك المناطق المعنية بتوسع حدقة العين وإيقاعات الساعة البيولوجية. وهو ما يثبت أنها تلعب دورا في تشفير الكثير من المعلومات لتنقلها إلى الدماغ، ويبرهن على وجود علاقة ما تربطها بالدماغ.
وقد تمكن الفريق البحثي من تحديد ستة أنواع فرعية من الخلايا العصبية الشبكية، ولكنهم لم يتمكنوا حتى الآن من معرفة آلية تأثيرها على تطور الشبكية.
موصلات كهربائية
وقد أثبت تشريح شبكية العين في الفئران الحديثة الولادة أن جميع الأنواع الفرعية الستة من الخلايا العصبية الشبكية مرتبطة بعضها ببعض عبر موصلات كهربائية.
وقد لاحظ العلماء أن بعض الأنواع كانت تعتمد على الموصلات الكهربائية، في حين لم تفعل أنواع أخرى ذلك، مما يشير إلى أنه قد يكون لكل منها أدوار مختلفة عن البقية.
فمثلا، يتصل النوع الثاني والخامس على نطاق واسع ليشكلا دارة عصبية تعتمد على اكتشاف الضوء، في حين يكون النوع الأول معزولا ولا يولد استجابة للضوء إلا من خلال وسائل ذاتية داخلية.
العمى الوظيفي المؤقت
يعمل الباحثون على فهم دور الموصلات الكهربائية بين تلك الخلايا العصبية الشبكية المكتشفة في كيفية اتصال شبكية العين بالدماغ، إذ ربما يكون لها دور في عدم الرؤية أكثر من دورها في الرؤية، بمعنى أنها يمكن أن تكون السبب وراء تجنب الثدييات الحديثة الولادة لرؤية الضوء، مما يجعلنا نظن أنها تولد مع حالة من العمى الوظيفي المؤقت.
لا بد من إجراء المزيد من الدراسات قبل أن يتمكن الباحثون من تحديد كيفية عمل هذه الخلايا وتطورها، والاستجابات السلوكية التي قد تحدثها.
إضافة إلى ذلك، يواجه البحث التحدي الأصعب وهو: هل تتطور الشبكية في عين جنين الإنسان بنفس الآلية التي تتطور بها في عين جنين الفئران أو القردة، خاصة أن لكل منها تركيبة فيسيولوجية مختلفة تماما؟
وبالنظر إلى الجوانب الأخلاقية المتعلقة بإجراء بحوث النمو على البشر، لا تزال الفئران والقردة من أفضل النماذج التي يتعين علينا أن نتعلم منها المزيد عن أعيننا.