كيف مهدت الميكروبات القديمة الطريق للحياة على الأرض؟
كشف بحث جديد نشر بتاريخ 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في دورية “ساينس أدفانسز” عن الدور الحيوي الذي قد تلعبه ميكروبات دهر ما قبل الكمبري في حل اثنين من أكبر ألغاز الأرض البكر.
ووجد فريق دولي من جامعات بريتيش كولومبيا وألبرتا وتوبنغن وأوتونوما برشلونة ومعهد جورجيا للتكنولوجيا أن أسلاف البكتيريا الحديثة المستزرعة من بحيرة غنية بالحديد في جمهورية الكونغو الديمقراطية تحمل مفتاح حل لغز الحفاظ على حرارة الأرض البكر في فترة عاصرت ظاهرة الشمس الفتية الخافتة، كما أن هذه الميكروبات قد ساهمت في تكوين أكبر رواسب الحديد الخام في العالم منذ مليارات السنين.
وخلصت الدراسة إلى أن البكتريا تمتلك خصائص كيميائية وفيزيائية -خاصة في ظل غياب الأكسجين الكامل- تسمح لها بتحويل الطاقة من أشعة الشمس إلى معادن حديدية صدئة وإلى كتلة حيوية خلوية. وتلعب هذه الكتلة الحيوية دورا هاما في إنتاج غاز الميثان من غازات الدفيئة وذلك بالاعتماد على ميكروبات أخرى قد تكاثرت في الوسط نفسه.
وباستخدام التقنيات الجيولوجية والبيولوجية الحديثة، وجد الباحثون أن بعض أنواع البكتيريا ذات أسطح تسمح لها بطرد المعادن الحديدية، مما يتيح لها تصدير هذه المعادن إلى قاع البحر لصنع رواسب الحديد الخام.
وبعد نفثها لما تنتجه من مواد معدنية صدئة، تواصل هذه البكتيريا تغذية الميكروبات الأخرى التي تصنع غاز الميثان. وهذا ما يفسر سر الحفاظ على جو الأرض البكر دافئا رغم أن الشمس الفتية آنذاك كانت أقل سطوعا بكثير مما هي عليه في يومنا هذا.
سيناريوهات “الشمس الفتية الخافتة”
عام 1972 اقترح كارل ساغان وجورج مولين من جامعة كورنيل حلا للغز “الشمس الفتية الخافتة” الذي كان قد طرح في ستينيات القرن الماضي.
تكمن المفارقة في هذا اللغز أن معدلات الحرارة المحسوبة من سطوع الشمس الفتية، مقارنة بخصائص الغلاف الجوي آنذاك، تفيد بأن الأرض البكر قد تم تجميدها بالكامل، وبطبيعة الحال فإن الأرض المتجمدة لن تدعم أي شكل من أشكال الحياة.
وقد اقترح الباحثان ظاهرة الاحتباس الحراري حلا لتلك المفارقة، بحيث إن الغلاف الجوي للأرض البكر كان قادرا على الاحتفاظ بجزء من أشعة الشمس التي تسقط على الأرض، وذلك لاحتوائه على غازات حابسة للحرارة.
وقد اقترح الباحثان وقتئذ الأمونيا كواحد من تلك الغازات. إلا أن علماء آخرين قاموا بدحض هذا المقترح، حيث برهنوا على أن الأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من الشمس قادرة على تدمير الأمونيا المتراكمة بالجو خلال فترة وجيزة تقل عن عشر سنوات.
عام 1987 اقترح جيمس ووكر المختص بعلوم الغلاف الجوي من جامعة ميشيغان سيناريو آخر لحل اللغز، ينص على أن الجو في الأرض البكر كان غنيا بغاز الميثان الذي تشكل بالتوازي مع ترسبات الحديد الخام.
وبهذا تقدم هذه الدراسة الجديدة دليلا ماديا قويا يدعم هذا السيناريو الأخير، وتكشف أيضا أن التفاعلات البكتيرية المعدنية المجهرية كانت السبب الرئيسي وراء دفء الأرض البكر.
يمكن استخدام نتائج هذه الدراسة المتعلقة بالعمليات الكيميائية والفيزيائية التي تتفاعل من خلالها البكتيريا مع وسطها المحيط في تطوير آليات جديدة لاستعادة الموارد الخام، وتطوير مواد بناء جديدة، وطرق جديدة لعلاج الأمراض.
كما يمكن تسخير نتائج هذه الدراسة في الهندسة الجيولوجية بهدف إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، والتأثير مرة أخرى على المناخ من خلال تفاعلات المعادن البكتيرية.