صوت و صورةكتاب وآراء

النشر السلبي: مفيد للزعماء ضار للافراد … ترامب نموذجاً

علي هاشم*

أنهي في هذه الأثناء كتابة رسالتي حول الدبلوماسية الرقمية وتأثيرها على صورة إيران خلال المفاوضات النووية وبعدها…القصة ليست هنا، إنما في تفصيل مرتبط باتجاه معتمد من قبل الكثيرين في عالم التواصل الإجتماعي، يظهر بقوة في الدبلوماسية الرقمية، ألا وهو ما يسمى بالإنجليزية ب Negative Posting او ما ترجمته بالعربية النشر السلبي.
أهم رواد هذا الاتجاه في النشر في العالم هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يمكن وصفه برائد هذا المجال، إذا قلما يمرّ يوم بلا تغريدات سلبية ينتقد فيها أشخاص، أو حالات، ووسائل إعلام.
النشر السلبي بحسب دراسة لجيوفاني دي أدا و اندريا سيرون، لا سيما عبر تويتر، هو نقطة جذب رئيسية للمتابعين إذ انها بطبيعة الحال مثيرة للجدل وتفسح المجال بسرعة لتفاعل يساهم بدوره في عملية زيادة عدد المتابعين بشكل مضطرد، لكنها في نهاية المطاف تزيد من مستوى العدائية وترسخ الانقسام وهو ما يستفيد منه السياسيون بشكل عام لأنه يساهم في تعزيز الاصطفاف على قاعدة “الفسطاطين” التي تحدث عنها أسامة بن لادن بالتوازي مع قاعدة “معنا أو ضدنا” التي أعلنها في ذات الفترة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش.
لكن النشر السلبي ليس محصورًا فقط بالسياسيين كما بات جليًا، وهنا لا أتحدث عن النقد والنقاش في مسائل تحتمل الخطأ والصواب، الحديث أكثر عن الاستهداف المباشر للأفراد لمجرد الاختلاف في وجهات النظر، فكل من لا يعجبه زيد أو عمرو من الناس يذهب مباشرة إلى هتكه لتتحول مساحات التواصل الاجتماعي إلى متاريس حرب رقمية تسخّر فيها كل الألفاظ النابية والأوصاف التحقيرية، وتجيش الشبكات الداعمة لكل فرد في عمليات الرد والرد المضاد، وبدل خلق حالة حوار عابر للأفكار نعلق وسط مناخ سلبي عبثي لا يُقدم ولا يؤخر في عملية صناعة الرأي على هذا المستوى.
عندما يغرّد ترامب سلبيا هو بخلاف الأفراد يكسب في حربه على خصومه في شد العصب وبالتالي يمرر سياساته الداخلية ويبرر خطواته الخارجية، بينما يتحول الفرد العادي إلى جندي في منظومته العنقودية ينفذ الأجندة دون أن يكون فاعلًا في صناعتها، وهذا ليس بالأمر الجديد عمليًا، اذ انه كان حاضرًا في زمن ما قبل التواصل الاجتماعي بأساليب مختلفة من خلال النخب ذات القدرة على الوصول إلى الجماهير من خلال وسائل الإعلام ومنابر المساجد والكنائس.
اليوم لكل مواطن منبر للتعبير، وبدل أن يساهم هذا في ترقية الحوار درجة إلى الأعلى نجد النخب عينها التي كانت تتصارع على مستوى أعلى تتحول إلى أفراد تشارك في فوضى السلبية على مستوى الجماهير وبدل تحفيز الأقل وعيًا على الانخراط في حوارات مجدية تشجع من حيث تدري أو لا تدري عملية التسطيح وماكينات الشتم والتحقير وصناعة الأخبار الكاذبة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى