نتائج “هيتشكوكية”.. زلزال سياسي بانتخابات بريطانيا
ظلت بريطانيا -موطن الروائي الشهير ألفريد هيتشكوك- وفية للتشويق والمفاجأة، ليس فقط في مجال الرواية، بل في السياسة أيضا.
وأظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت الخميس الماضي فوز حزب المحافظين بأغلبية ساحقة، في حين فقد حزب العمال العشرات من المقاعد، وحقق أسوأ نتيجة انتخابية له منذ عقود.
وعلى امتداد الحملة الانتخابية، لم تتوقع أي استطلاعات الرأي أن يكون الفارق بين حزبي العمال والمحافظين بهذا الحجم (161 مقعدا)، بل إن آخر استطلاع للرأي أجري قبل دخول مرحلة الصمت الانتخابي كشف عن أن حزب العمال نجح في تقليص الفارق مع حزب المحافظين.
زلزال سياسي
وتعليقا على ذلك، يصف رئيس مركز “ميدل إيست مونتور” الدكتور داود عبد الله نتائج الانتخابات “بالصادمة”، معتبرا أن كل التوقعات كانت تصب في اتجاه تقارب النتائج بين الحزبين.
ويضيف “كان المنتظر أن يقوم حزب العمال بتشكيل ائتلاف مع الحزب الوطني الأسكتلندي وتكوين أغلبية حكومية، لكن ما حدث هو زلزال سياسي بكل المقاييس لم تعشه البلاد منذ عهد مارغريت تاتشر”.
ويضيف الأكاديمي البريطاني للجزيرة نت أن موقف الأحزاب من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لم يكن العامل الحاسم الوحيد في اختيار البريطانيين، معتبرا أن “هناك أيضا حملة تعرض لها زعيم حزب العمال جيرمي كوربن حتى من قبل قادة في حزبه، وبالتالي دخل الحزب الانتخابات من دون وحدة الصف؛ مما أثر على قرار الناخب البريطاني”.
ويعود رئيس مركز “ميمو” لخلفيات جيرمي كوربن السياسية، لتفسير بعض الجدل المثار حوله، ومنها أن له علاقة مع الأحزاب الثورية سواء في فنزويلا على عهد تشافيز وحتى مع حزب العمال الإيرلندي، وذلك مناقض للخط الرسمي البريطاني، فضلا عن انتشار إشاعات علاقته بموسكو والمخابرات الروسية، وكل هذه عوامل لها وقعها على الناخب البريطاني.
وعن تأثير نتائج الانتخابات على المهاجرين، يرى داود عبد الله أن جونسون سيسعى لتنفيذ سياسة هجرة “أكثر صرامة، وسيطبق النظام الأسترالي، أي استقدام الكفاءات فقط، أما الفئات الهشة، فسيصبح وصولها إلى بريطانيا صعبا جدا”.
انتخابات بريكست
وعن حالة المفاجأة التي خلقتها نتائج الانتخابات، اعتبر رئيس المنتدى العربي للتفكير في لندن محمد أمين أنها لم تكن متوقعة “لأن أغلب التحليلات كانت تتجه في اتجاه فوز المحافظين، ولكن بأغلبية ضئيلة”.
وفي حديثه للجزيرة نت، فسر محمد أمين هذه النتيجة بكون الانتخابات الحالية “كانت انتخابات بريكست”، مؤكدا أن الشغل الشاغل للناخب البريطاني في هذا الموعد الانتخابي هو ملف الخروج من الاتحاد الأوروبي وحالة المد والجزر والتأجيل التي ملها البريطانيون.
وبالتالي -وفق أمين- صوّت الناخبون لبوريس جونسون “لأنه يمتلك رؤية واضحة حول الخروج من الاتحاد الأوربي باتفاق، كما حسم المحافظون قرارهم باتجاه الخروج باتفاق”.
ومقابل وضوح رؤية المحافظين في التعامل مع البريكست، يرى المتحدث ذاته أن جيرمي كوربن اختار الحياد والذهاب للتفاوض من جديد مع الاتحاد الأوروبي إن فاز، ثم يعود للشعب ليقرر إذا أراد الخروج باتفاق أو البقاء، مؤكدا أنه محايد، وهنا يكمن المشكل “ففي المعارك الكبرى الحياد ليس مفيدا، بل هو انتحار ذاتي”.
ويعرج محمد أمين إلى الشق الاقتصادي في تحليله لنتائج الانتخابات، ليؤكد أن برنامج حزب العمال الاقتصادي طرح تحقيق العدالة الاجتماعية ورفع الضريبة على الأغنياء لصالح الفقراء وتأميم بعض المؤسسات الحكومية؛ وهو ما جعل “القوى الصلبة وقطاع المال والأعمال يصطف ضده، فحجم الضخ المالي والإعلامي ضد كوربن والتشويه الذي تعرض له الرجل غير مسبوق”، على حد وصفه.
نهاية كوربن
من جانبه، يعبر رئيس المجموعة العربية في حزب العمال نهاد إسماعيل عن خيبة أمله من نتائج الانتخابات، ومع ذلك فهو يرى أن ما حدث له مسببات داخل حزب العمال.
وحسب رأيه، فإنه من بين هذه المسببات أن الحزب دخل الانتخابات من دون موقف واضح ومقنع من أهم قضية مطروحة حاليا وهي البريكست”، واصفا موقف كوربن من هذا الملف “بالعجيب والغريب مقابل وضوح جونسون وإصراره على الخروج بأي ثمن، وقدرته على إقناع الناخب بأن في الخروج مصلحة للاقتصاد”.
ويرى السياسي البريطاني من أصول عربية أن “المرحلة المقبلة تحتاج معارضة قوية في البرلمان تكون قادرة على كبح جماح جونسون الذي بات الآن أقوى من أي وقت مضى”.
ويعتبر إسماعيل أنه يجب التمهل في قراءة المعطيات العددية للانتخابات؛ “ففي انتخابات 2017 حصل حزب العمال على أكبر عدد من الأصوات، لكن توزيع المقاعد منح الصدارة للمحافظين”.
وأضاف أن البرنامج الانتخابي الذي وعد بأضخم ميزانية في تاريخ البلاد “كان برنامجا طموحا أكثر من قدرات الرجل، فضلا عن المخاوف من أنه برنامج له نفحة اشتراكية”.