المغرب

اشرب قهوتك وتعلم.. مقهى شعبي بالمغرب يقدم دروس لغات مجانا

يسارع المثقف المغربي الحسين بوكبير منشرح الوجه لتلبية نداء زبون، طلب قهوة “سبيسيال” وكتابا فلسفيا قديما.

يعصر الكأس بهمة ونشاط في مقهاه بمدينة الصويرة الساحلية، ويرشد إلى مكان الكتاب بيسر ظاهر، وهو ينتقل بين المقصف ورفوف الكتب خفيف الظل خفيف الحركة. يقول بوكبير للجزيرة نت وهو يستقبل روادا جددا بابتسامته المعهودة “لا سبيل لمقاومة الجهل إلا بالعلم والثقافة، ومن يخاف من الظلام عليه أن يشعل الضوء”.

بادر أو انقرض
اختار بوكبير الرجل الخمسيني ذو التوجه التقدمي في مبادرة فريدة أن يحول مقهى موجودا بحي شعبي بالمدينة المغربية لمزار ثقافي يقصده عامة الناس كما المثقفون لقراءة الكتب وتعلم اللغات الأجنبية والاستماع للموسيقى الجميلة.

لا مكان هنا لدخان ينفث، أو ضجيج يصدع الرأس، وحدها الملامح الجادة حينا والمبتسمة أحيانا كثيرة ما يملأ الفضاء حيوية وإنسانية.

يضيف بوكبير وقد علت ملامحه بعض نظرات أسف “يحزنني أن تسود ثقافة التفاهة في واقع مر”، قبل أن يتابع بنبرة صوت حادة “من لا يبادر ينقرض، كما تموت الشعوب عندما تندحر ثقافتها”.

  الحسين بوكبير زين المقهى الثقافي بالكتب وآلات الموسيقى والحكم والأمثال (الجزيرة)
 الحسين بوكبير زين المقهى الثقافي بالكتب وآلات الموسيقى والحكم والأمثال (الجزيرة)

بداية الحكاية
يحكي بوكبير أنه خريج فلسفة وعلم اجتماع من كلية الرباط، لم يندب حظه لعدم حصوله على وظيفة، بل بادر بمساعدة عائلته لإنشاء المقهى الذي تحول من “مقشدة” (مطعم صغير مختص بالحليب ومشتقاته) إلى مكان أشهر من نار على علم في المدينة.

بدأ بوكبير بإثراء مقهاه بكتب جامعية ورثها من سنوات التحصيل الجامعي، قبل أن ينضم أصدقاؤه لإضافة بصماتهم كل في مجال تخصصه بجلب كتب أخرى.

يقول الفنان المسرحي الشاب رشيد لحجاري للجزيرة نت “يمنح المقهى للشباب فرصة التكوين الذاتي وتوسيع خيالهم الإبداعي، وبدوري أول ما اطلعت على المسرح العالمي كان فوق هذه الكراسي البسيطة بساطة المكان”.

تطوع ومتعة
كل عمل هنا في هذا المقهى مبني على التطوع، تضع يدك بداية الأمر في عمل فيسارع آخرون لوضع أياديهم في يدك لتتشكل قوة دافعة نحو الخير والجمال، كما يشرح الشاعر المغربي نوفل السعيدي للجزيرة نت.

ويضيف متأملا حركات لا منتهية للمارين من هنا “من يتابع فصول ومشاهد الحياة اليومية في المقهى، تبهره حين تتحول الكلمات في أمسية ممتعة إلى شعر مقفى، أو الأحاديث الجانبية إلى مشاريع سيناريو مسرحية أو رواية أو قصة”.

أما الشاب حسن بوزرود أحد المحبين للمقهى والشغوفين بقراءة الكتب بها فيقول للجزيرة نت “نحتاج في كل وقت إلى أن نتنفس كلمات رقيقة بمعان إنسانية، حاجتنا إلى الماء والهواء”.

 فقرة ثقافية داخل المقهى الثقافي (الجزيرة)
فقرة ثقافية داخل المقهى الثقافي (الجزيرة)

رواد وأقوال
في المقهى البسيط، تتجول بعينيك في كل زاوية، لا تجد غير البساطة عنوانا لمكان تشعر فيه أن الفكر يجاور الثقافة، والموسيقى الهادئة والجميلة تمنح الشعور بالأمان والراحة.

تنضم إلى الكتب المرتبة مرة بعناية ومرات بغيرها، وإلى صور شارلي شابلن وموليير وتشي جيفارا، لافتات معلقة تزينت بحكم وأقوال مفكرين وحكماء أو بنات أفكار بوكبير نفسه، تلك تحدثك عن حب الوطن، وأخرى عن الحرية والكرامة وثالثة عن مفاتيح الحب وهكذا دواليك.

يرشف الشاب لحجاري كأس شاي قبل أن يفتح “نافذة في كتاب” ويخط بيمينه ملاحظة قيمة على الهامش وهو مستغرق بتفكير عميق، ويضيف “لا مجال للإبداع بغير الاطلاع على تجارب عديدة في كل الدول”.

 الفنان التشكيلي سعيد حجي من رواد المقهى الثقافي (يمين) برفقة الحسين بوكبير صاحب المقهى الثقافي (الجزيرة)
الفنان التشكيلي سعيد حجي من رواد المقهى الثقافي (يمين) برفقة الحسين بوكبير صاحب المقهى الثقافي (الجزيرة)

حنين ثقافي
في ركن غير بعيد من شباب بعضهم يلعبون الورق وآخرون يتدارسون كتابا جديدا، يجلس الفنان التشكيلي سعيد حجي منهمكا بقراءة رواية عزيزة على قلبه.

يعود الحنين بسعيد إلى زمن السبعينيات من القرن الماضي، حيث كانت المقاهي الثقافية منتشرة في كل أنحاء المدن المغربية.

يقول سعيد حجي للجزيرة نت بصوته الهادئ المعروف “مبادرة بوكبير تستحق التنويه، إنها تمتع الرواد وتتيح “للشعب” أن يستعيد المبادرة، ويضيف “كل من له علاقة بالثقافة والفكر مطالب بوضع لمسته هنا، بذلك يمكن أن نقرأ ونرتقي”.

 أجنبي (الثاني من اليمين) يعطي دروسا في اللغة الإنجليزية داخل المقهى الثقافي (الجزيرة)
أجنبي (الثاني من اليمين) يعطي دروسا في اللغة الإنجليزية داخل المقهى الثقافي (الجزيرة)

حلم لا ينتهي
يرخي الليل ظلاله على المدينة، في حين يستقبل المقهى مزيدا من الزوار، يتحول فيها بعضهم إلى معلم، وآخرون إلى طلبة نجباء لتعلم اللغة الإنجليزية، كما يحدث اليوم -يوم إنجاز التقرير- ذات ليلة من ديسمبر/كانون الأول الجاري.

يقول الشاب حسن بوزرود إن شبابا يقصدون المقهى حاليا لتعلم لغات، اليوم لغة شكسبير وقبلها كانت هناك دروس للغات أجنبية أخرى.

ويقول بوكبير إن “العمل هو الجواب على سؤال ما العمل”، يحلم أن تتطور فكرته وتزداد نضجا وتألقا، ويصبح مقهاه منصة لمحو الأمية، أو مسرحا مفتوحا، أو قاعة عروض فنية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى