وزيرة المساواة والأسرة المغربية: التمكين الاقتصادي للنساء أساسي لتحسين أوضاعهن
قالت جميلة المصلي وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة بالمغرب إن العنف الممارس تجاه النساء ينعكس على اندماجهن في الديناميكية المجتمعية ومشاركتهن بالحياة الاجتماعية والاقتصادية، وأشارت -في حوار خاص مع الجزيرة نت- إلى أن التمكين الاقتصادي للنساء آلية مهمة تضمن استقلاليتهن وتقوية قدراتهن وجعلهن يعشن بأمان أكثر.
وترى الوزيرة أن مناهضة العنف ضد النساء ينبغي ألا يكون قضية نسائية بل قضية مجتمع، مؤكدة أن القوانين المتعلقة بالمرأة متقدمة في المغرب، غير أنها لا تنكر ضعف حضور النساء في المناصب السامية وفي الأحزاب السياسية والنقابات، معتبرة أن المرأة مسؤولة نوعا ما عن ذلك. وفيما يلي نص الحوار:
منذ 17 عاما، ينظم المغرب في ديسمبر/كانون الأول حملة سنوية لمناهضة العنف ضد النساء والتوعية بخطورته، ومع ذلك كشف البحث الوطني حول العنف ضد النساء لسنة 2019 عن أرقام صادمة، إذ تعرضت حوالي 54% من المغربيات لأحد أشكال العنف، كيف تفسرين الأمر؟
أرقام العنف ضد النساء مقلقة بالفعل، وبالعودة للبحوث الوطنية المنجزة لقياس نسبته، نلاحظ انخفاضا مطردا، فالبحث الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط (جهاز حكومي) سنة 2009 أظهر أن 62.8% من النساء تعرضن للعنف.
وعام 2019 أظهر البحث الوطني لوزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة أن النسبة بلغت 54.4%، وهذا يعني أنه في عشر سنوات تراجع العنف الممارس ضد النساء، ومع ذلك هذه النسبة تقلقنا خاصة إذا علمنا أن أغلبها يتعلق بعنف نفسي وما يرتبط به من تمييز ضد المرأة وعدم تقديرها، وما يخلفه من أثر سلبي ينعكس على اندماجها وانخراطها في الديناميكية المجتمعية، ومشاركتها بالحياة الاجتماعية والاقتصادية.
أسباب العنف متعددة، ويجب معالجتها وليس التركيز على النتائج فقط، فالعنف ظاهرة تعرفها كل المجتمعات العربية والإسلامية والغربية وغيرها، وتتفاوت نسبتها من مجتمع لآخر، حتى أن بعض المجتمعات يفضي فيها العنف ضد النساء للقتل. فهي ظاهرة عالمية تحتاج لمعالجة على مستوى عالمي، إضافة لسياسات وطنية تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل بلد وثقافته والأسباب الدافعة إليه.
نشرت منظمة أوكسام بالمغرب بشراكة مع معهد الرباط للدراسات الاجتماعية هذا الشهر نتائج دراسة حول العنف، بينت أن نسبة كبيرة من الشباب المغربي يعتبر العنف ضد المرأة بإطار زوجي والفضاء العام مسألة عادية. كيف يمكنكم وأنتم في موقع المسؤولية تغيير هذه الأفكار؟
يمثل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و34 سنة ثلث سكان المغرب (أكثر من 34%) وهذا يدفعنا لتخصيص حملة مناهضة العنف ضد النساء هذا العام للشباب باعتباره شريكا وطرفا مهما للحد من الظاهرة.
ونحن واعون بالعلاقة القوية للشباب بظاهرة العنف ضد النساء، حيث أكدت نتائج البحث الوطني الثاني حول العنف ضد النساء -الذي أنجزته وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة- أنه من جهة أولى: فئة الشباب في صلب الموضوع كضحية بما أن النساء ما بين 18 و29 سنة هن الأكثر عرضة للعنف وخصوصا الجسدي والجنسي والإلكتروني.
ومن جهة ثانية: فالفئة العمرية لـ 56.4%من المعتدين في الأماكن العامة تتراوح بين 19 و34 سنة، وفي باقي الأوساط ينتمي المعنف للفئة العمرية الأقل من 34 سنة. وهذا يظهر كيف أن الشباب معني بالعنف ضد النساء إما كضحية أو كمعتد، وهو ما جعلنا نعتبر الشباب جزءا من المشكلة ومن الحل أيضا.
لا نريد أن نجعل مناهضة العنف ضد المرأة قضية نسائية، بل نريدها أن تكون قضية مجتمع يشارك جميع المواطنين -بمن فيهم الشباب- برفضها ومحاربتها ووقفها. واعتمدنا هذا العام أساليب جديدة في حملتنا ولجأنا إلى الفن والأغنية الشبابية للتوعية، لاعتقادنا أن الفن تصل رسالته ويكون لها تأثير وتظل في ذاكرة الصغار والكبار.
رغم الأرقام المرتفعة للعنف ضد النساء، 6.6% فقط من المغربيات المعنفات يلجأن للعدالة. لماذا لا تبلغ النساء عن تعرضهن للعنف؟
المسألة مرتبطة بإشكال ثقافي ونفسي، فالنساء رغم أنهن ضحايا يفضلن الصمت وعدم التبليغ مخافة نظرة المجتمع والوصم، لكن الآن مع وجود قانون للعنف ضد النساء يقدم الحماية، ومع مجهودات التوعية، أتوقع ارتفاع الرقم في السنوات القادمة.
هل ترين أن غياب آليات عملية لحماية المرأة وأبنائها، كتوفير منازل آمنة وبرامج لتحقيق الاستقلال الاقتصادي، يجعل أرقام العنف مرتفعة فيما نسبة اللجوء للعدالة منخفضة؟
مشكلة الاستقلالية الاقتصادية مطروحة وأيضا وجود الأطفال، غير أن العنف ضد النساء لا يحدث داخل الأسرة وفي العلاقة الزوجية فقط، بل يتجاوزهما للفضاءات العمومية، وهذا لا علاقة له باستقرار الاسرة. ومع ذلك لا يتم التبليغ عنه، لذلك أؤكد أن المسألة ثقافية بالأساس، فالمعنفة حتى لو تعرضت للعنف من طرف شخص لا تربطها به علاقة لا ترغب بأن يعرف المجتمع أنها ضحية لهذه الممارسة.
آن أوان الحد من هذه الظاهرة، نحن نشتغل على مخطط وطني للتمكين الاقتصادي للنساء، ونعتبره آلية مهمة جدا لضمان استقلالية المرأة وتقوية قدراتها لتعيش بأمان أكثر. واليوم يعرف المجتمع المغربي تحولا عميقا يظهر بانخراط النساء بالأعمال الاقتصادية والمشاريع المدرة للدخل، وخاصة في التعاونيات التي تشكل رافعة أساسية للتمكين الاقتصادي للنساء.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن 29% من أعضاء التعاونيات بالمغرب نساء، وقرابة 14% من مجموع التعاونيات تسيرها نساء. وفي الأرياف لاحظنا تنامي الوعي بمشاركة المرأة الاقتصادية، فنجد قرويات لم ينلن حظهن من التعليم ومع ذلك تحدين الظروف الاجتماعية، وأسسن مشاريع ذات مردود اقتصادي بدعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، مما ساعدهن على تحقيق الاستقلالية الاقتصادية والرضا الذاتي.
بعد مرور أكثر من سنة على المصادقة على قانون محاربة العنف ضد النساء، تقول الجمعيات النسائية إن جملة صعوبات وثغرات تعترض تفعيله مما يجعله قاصرا عن توفير الحماية الكاملة للنساء ضحايا العنف في المغرب؟ هل تشاطرون الجمعيات هذا الرأي؟ وهل هناك تفكير بتحسين القانون لتجاوز عراقيل تطبيقه؟
أعتقد أن وجود إطار قانوني يتعلق بمحاربة العنف ضد النساء والصادر في مارس/آذار 2018 مسألة إيجابية ينبغي تثمينها، خاصة وأن هذا القانون الجديد يجرم ولأول مرة أنواعا مختلفة من العنف، ومنها التحرش الجنسي والإلكتروني، ويركز على ثلاثة عناصر هي: زجر مرتكبي العنف والوقاية ثم حماية الضحايا والتكفل بهن.
فهذا القانون الجديد يؤكد على شق زجري وآخر وقائي بتوعية الشباب والناشئة والأجيال القادمة بأهمية رفض العنف كونه يمس بكرامة الإنسان ككل، فما بالك إذا كان يمس المرأة التي تعتبر مصدر الحياة في المجتمع.
من جهة أخرى، نحن نتكلم عن قانون لم تمض سوى سنة على دخوله حيز التنفيذ، ومن الصعب بهذه المدة الحديث عن أثره وتقييمه، أما القول إن القانون يحتاج لتجويد فلا شيء يمنع من ذلك، ففي المغرب التشريع ليس بيد الحكومة بل بيد البرلمان ويمكن لأي فريق برلماني التقدم بمقترح قانون لتعديله وتحسينه ليمر بعدها بالآليات المعتمدة للمسار التشريعي.
بالمقابل، أطلقت المندوبية السامية للتخطيط أول بحث وطني بالمغرب حول العنف ضد الرجال، وهو ما ثمنته جمعيات الدفاع عن حقوق الرجال التي تقدم بدورها أرقاما حول هذا النوع من العنف، ما موقع مطالب الرجال ضمن اهتمامات وزارة الأسرة؟
لست ضد وجود جمعيات تدافع عن حقوق الرجال، فحق تأسيس الجمعيات في المغرب مفتوح للجميع ويحكمه دستور يؤكد على مركزية حقوق الإنسان، وأكثر من ذلك نحن بلد منفتح يسير باتجاه تكريس مزيد من الحقوق على المستوى الفردي والجماعي، وبالتالي وجود جمعيات من هذا النوع مسألة طبيعية.
أما بخصوص البحث الوطني حول العنف ضد الرجال فأعتبره مسألة مهمة، ننتظر إعلان نتائجه رسميا لنبني عليها سياسات وبرامج.
حققت المغربيات تقدما على المستوى القانوني والحقوقي، لكن على مستوى مناصب القرار ومواقع المسؤولية يسجل ضعف حضورهن، أين الخلل؟
فعلا، شهدت حقوق النساء في المغرب تقدما خلال السنوات الماضية، فعلى المستوى الدستوري تتحدث المادة 9 من الدستور عن السعي للمناصفة، ومكنت القوانين التنظيمية -خاصة في المجال الانتخابي لمجلس النواب والمجالس المحلية المنتخبة- من رفع تمثيل النساء في المجالس المنتخبة،
واليوم نسبة النساء بمجالس الجهات 37%، وفي الجماعات 21%، وبلغ عدد النساء في البرلمان بانتخابات 2016 رقما مهما وهو81 امرأة، منهن ستون امرأة دخلن مجلس النواب عبر اللائحة الوطنية والباقي عبر المباشر ولائحة الشباب.
وفي المغرب رئيسات جامعات، ورئيسات مجالس جهات، وفي الحكومة توجد أربع وزيرات من بين 23، مما يعني أن تمثيل النساء تقدم بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية.
ولا ننكر ضعف وجود النساء بالمناصب الرفيعة التي يتم التعيين فيها بناء على الترشح المباشر دون اعتماد آلية للتمييز الإيجابي، والضعف النسائي نسجله أيضا في الأحزاب السياسية والنقابات. وأعتقد أن الأمر يحتاج لمعالجة توعوية، فالمسألة لا تتعلق بمستوى تعليم المرأة، فقد تتلقى تعليما عاليا لكنها لا تنخرط بالحياة المدنية والسياسية، وهذه مسألة ثقافية نحتاج لوقت لتجاوزها.
اعتمد المغرب الكوتا لتقوية التمثل السياسي للنساء. لكن بعد أربع دورات تشريعية تبين أنها الوسيلة الوحيدة لوصول النساء للبرلمان، فهل فشلت بتأدية دورها؟
الكوتا آلية طبقتها كثير من الدول، ورفعت تمثيل النساء بالمجالس المنتخبة مقارنة مع آليات أخرى، ومع ذلك أرى أنه يجب القيام بتدابير أخرى ليتحقق تمثيل النساء بطريقة انسيابية.
وهذه إشكالية عالمية موجودة في ثقافات مختلفة، تحتاج لمزيد من الوعي بأهمية إشراك النساء في الانتخابات، وضخ مزيد من ثقة النساء بقدراتهن، وتقديم نماذج نسائية ناجحة في الإدارة والسياسة لجعل الرأي العام يتقبل المرأة بمناصب المسؤولية.
عينت وزيرة قطاع التعليم العالي، وبعدها كتابة الدولة في الصناعة التقليدية، ثم وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة بعد التعديل الحكومي الأخير. فهل الموقع الأخير أقرب إليك كناشطة وباحثة بمجال المرأة والأسرة؟
تشرفت بالثقة الملكية بالقطاعات الثلاثة، وهي مصدر اعتزازي، وكلها مهمة ولها علاقة بالمرأة والأسرة، فالتعليم مدخل لتطوير المجتمعات وتغيير وضعية النساء والرجال، والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي وقطاع التضامن والتنمية الاجتماعية مرتبطان، خاصة وأن فئة عريضة من المغربيات يشتغلن بالحرف والاقتصاد التضامني والتعاونيات.
قطاع الأسرة جزء مهم ومرتبط بسنوات اشتغلت فيها بالمجال الأكاديمي العلمي وأيضا المدني والبرلماني، وأعتبر أي مسؤولية مجالا للاشتغال لأكون بمستوى التكليف، وما ينتظره المواطن بالمجال الاجتماعي.
ما الذي تريدين تحقيقه للمرأة والأسرة المغربية كونك بموقع حكومي وتعتبرينه أولوية؟
أهم شيء هو التمكين الاقتصادي للنساء فهو المدخل الأساسي لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للنساء وأسرهن، وليكن أكثر ثقة بأنفسهن ليدخلن العمل الجمعوي والسياسي.
ونراهن بهذا القطاع الذي أديره على جعل مؤسسات الرعاية الاجتماعية بمستوى تطلعات المواطنين، عوض أن تكون مؤسسات لقضاء نهاية العمر، نريدها أن تكون بداية مرحلة جديدة وكريمة في الحياة للمستفيدين.